ما الذي حصل أمس في لقاء العونيين والفلسطينيين في سفارة فلسطين؟ اللقاء الذي شهد قدوم العونيين إلى السفارة، للمرة الأولى، لم يؤدّ إلى جديد في موضوع أزمة إعمار البارد، اللهم إلا نصيحة عونية «بالتركيز على الإسكان لا على المكان». ومن المعلوم أن إعمار المخيم قد توقف بعد ظهور آثار مدينة أرتوزيا الرومانية أثناء إزالة ركام المخيم المدمر، وبعد رفع «المواطن ميشال عون» دعوى أمام مجلس شورى الدولة لعدم طمر «المدينة»
راجانا حمية
مر لقاء أمس بين التيار الوطني الحر وممثلي الفصائل الفلسطينية من دون جديد يضاف إلى ملف إعادة مخيم نهر البارد، المودع في مجلس شورى الدولة منذ 3 أشهر. قرار «التيار» هو هو: يعاد إعمار مخيّم نهر البارد ولكن بدون التأثير على مدينة أرتوزيا، «حفاظاً على حقّ الشعب اللبناني والفلسطيني أيضاً والمنطقة»، يقول رئيس لجنة الدراسات في التيّار د. أدونيس العكرا. أما الجانب الفلسطيني، فلم يكن ينظر إلى الموضوع من الناحية القانونية، بالطبع، بقدر ما كان ينظر من جانب الهمّ الإنساني. فهو مشغول بنقل 39 ألفاً و400 لاجئ اعتادوا منذ 60 عاماً على «التلّ» الذي وضعتهم فيه الدولة اللبنانية، والذي يقال لهم اليوم إنه أثري.
قد يكون الاستثناء الوحيد في لقاء أمس حضور ممثّلي التيّار للمرّة الأولى إلى مبنى السفارة الفلسطينية منذ إقامتها، بعدما كانت اللقاءات تتمّ في مقر العونيين. أما سبب الخطوة؟ فلتأكيد موقفين: «قضيّة فلسطين جوهرية في عمل التيار الوطني الحر»، وأن الجنرال وتيّاريه «المؤمنين بالنضال الفلسطيني المشروع» و«المتواصلين منذ زمن مع الفلسطينيين ليسوا بمعرض تقديم شهادة وطنيّة لأحد». يحاول مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في التيار د. ناصيف القزي تبديد مخاوف الفلسطينيين، فيؤكّد أن «ما فعلناه (يقصد الدعوى) ليس موجّهاً ضدّكم، بل هو من ضمن برنامجنا الذي ترشّحنا على أساسه ونسعى من خلاله لمكافحة الفساد على صعيد النظام اللبناني». أكثر من ذلك، يحاول رئيس لجنة الدراسات د. العكرا شرح دعوى «المواطن عون»، مشيراً إلى أنها «دعوى تصحيح أو توضيح للمسألة المطروحة في البارد»، يقصد إن كانت الآثار تستأهل الطمر أو عدمه.
لكن، ثمّة سبب آخر لهذا الحضور الاستثنائي، كما وصفه أحد القياديين الفلسطينيين «زيارة معنويّة ولقاء مجاملة يتوخّى من خلاله التيّاريون تلطيف اللهجة وإرساء أسس الحوار وصياغة العلاقات بيننا».
كان هذا كلّ «الجديد» في لقاء استمرّ زهاء ساعتين. أما الباقي، فلا جديد فيه. أزمة 39 ألف فلسطيني لا يعرفون «الله وين رح يحطّهم»، لا تزال هي هي، بانتظار قرار مجلس شورى الدولة، وفي ظلّ عدم وصول الطرفين إلى «حل منصف» للآثار واللاجئين.
جديد اللقاء نصيحة عونيّة بالتركيز على الإسكان لا على المكان
في لقاء أمس، أعاد العكرا التذكير بالاحتمالات التقنية الثلاثة للأزمة، استناداً إلى ما قد يتّخذه مجلس الشورى. فإذا أثبت التقرير العلمي للجنة الآثار، المفترض أن تقدّمه إلى مجلس الشورى أنه «لا يستأهل الكشف عن المدينة الأثرية كونها غير مهمّة» أو «إذا بيّن أن هذه الآثار يمكن تفكيكها يكون الإعمار، على أن تنقل إلى مكانٍ آخر». أما الاحتمال الثالث فيحتّم على الدولة اللبنانية تحمّل مسؤولياتها في استملاك أرضٍ جديدة إذا حكم مجلس شورى الدولة «بالكشف على المدينة الأثرية».
نال هذا الاحتمال الجزء الأكبر من النقاش. لكنه لم يخرج بمحصّلة إيجابية، لتمسّك التيار بالحفاظ على المدينة «لأهميتها السياحية والتجارية» التي «سيستفيد منها نحن اللبنانيين وأنتم الفلسطينيين».
أما ردّ الفلسطينيين، فقد كان دعوة سفير دولة فلسطين عباس زكي ومسؤول ملف إعادة إعمار مخيم نهر البارد مروان عبد العال «للبحث عن مخارج لحل أزمة إنسانية، لا العمل على فتح ملفات. فلندفع من جيبنا لكي لا يدفع الناس الثمن». طلب عبد العال الوحيد كان: الدفع باتجاه تأثير إيجابي على مجلس الشورى، من خلال تقديم التيار مذكرة تشير إلى أن عملية طمر الآثار تتم وفق المعايير العلمية الدولية. وهو ما أجاب عنه العكرا بأن «اللعبة خرجت من أيدي التيار، والقرار الآن محصور بمجلس شورى الدولة والمديرية العامة للآثار»، لافتاً إلى أن «التيار لم يعد باستطاعته التراجع عن الدعوى». أكثر من ذلك، تمنى العكرا على الفلسطينيين ألا يكون عندهم «هذا التمسّك بالمكان، وما عدا ذلك نحن إلى جانبكم في التمسّك بالإسكان، وكنا سنقوم بالشيء نفسه لو حدث هذا لمنطقة لبنانية». وهو ما رفضه بعض قاطني البارد الحاضرين هنا، ومنهم المهندس عمر سعد الدين الذي رأى أن مجرّد التفكير «بنقل اللاجئين لأجل المدينة هو نسف للذاكرة الفلسطينية وللنسيج الاجتماعي الذي تكوّن في المخيم على مدى 61 عاماً».
أما مكان أرتوزيا، فقد نال جزءاً من النقاش، بعدما أكّد أحد العاملين في لجنة الدراسات الفلسطينية حسام شعبان أنه يملك وثيقة رسميّة من بلدية بحنين المجاورة للبارد، تثبت أن «مزرعة أرتوسا موجودة في بحنين»، لافتاً إلى «أننا بصدد عقد اجتماع مع مديرية الآثار لإطلاعها على هذه المعلومات». كما رأى شعبان أن قرار مديرية الآثار بوجود مدينة أثرية «كان مجرّد فرضية بعد العثور على الأعمدة، إذ إنها لم تحفر للتثبّت من وجود المدينة، فعلى أيّ أساس توقّف الإعمار؟». إلى الآن، لا جواب.
وفي اتّصال مع «الأخبار»، أكّد محامي الجنرال عون، وليد داغر، أنه «تبيّن من الاطلاع على الملف الإداري المتعلق بآثار أرتوزيا أن عملية الطمر لم تراع المعايير الدولية، بدليل أن بعض الآثار تكسّرت وأهملت». ولفت داغر إلى أن صدور قرار بإعادة استكمال عملية الطمر هو «جرم قضائي يتحمل مسؤوليته القضاء، ونحن ندعوه ألا يكون شريكاً في هذا الجرم».