محمد محسنبحيرة فمها واسع، مليئة بمياه الأمطار والوحول. ليست حفرةً ضمن سلسلة الحفر المتناثرة على غير طريق من العاصمة وضواحيها، بل مشروع «نفق» مار مخايل في الضاحية الجنوبية الذي تبلغ تكلفته 7.2 ملايين دولار، ويقع ضمن مشروع «تطوير النقل الحضري في بيروت» الذي يلتزمه مجلس الإنماء والإعمار.
منذ عام تقريباً، لم يطرأ جديد على المكان الموعود بالتجميل، غير اتسّاع رقعة الحفريات. ما زالت الشوارع المحيطة بالكنيسة، تئنّ من وطأة الحفر وغياب الزبائن. خسارة التجار تشبه عامهم الأوّل مع أشغال النفق: طويلة ومتعبة. لا طرق بديلة ولو صغيرة، تتيح عبور سيارات الزبائن نحو المحال القريبة من المشروع، علماً بأنّه في مناطق أخرى شهدت أعمال حفر مماثلة، لم تقفل الآليات جميع مسارات الطرق، وما جرى في الطيونة مثالاً.
وأخيراً، حين وعد المعنيون بإنشاء طريق جانبية تعيد بعض الحياة إلى منطقة مار مخايل، حدث ما لم يكن في الحسبان. مشكلة كهربائية، حالت دون إكمال الحفريات وإنشاء الطريق الفرعية. إذ تفيد مصادر متابعة للمشروع، بأنّ مؤسسة «كهرباء لبنان» اعترضت على إكمال أعمال الحفر، لأنها ستدّمر شبكة خطوط توتر عال، تغذي مناطق واسعة في بيروت وضواحيها. هكذا، وبعدما كان من المفترض أن تفتح طريق فرعية منذ 15 يوماً تقريباً، تراجعت وتيرة عمل الحفارات تراجعاً ملحوظاً. بالنسبة إلى تجار الشوارع المحيطة، المشكلة واحدة، ضائقة تشتد كل يوم على أرزاقهم. ففيما يشير نائب رئيس جمعية تجار سوق معوّض عصام العبد الله إلى ضرر فادح ألحقه مشروع النفق بتجارة السوق اليومية، يضيف إلى ذلك الضرر الكبير الذي قال إن الورشة سببته للمهرجان التجاري الضخم في سوق معوض. «يفتحولنا ولو طريق صغيرة لنحس بوجودنا»، عبارة تتكرر على ألسنة أكثر من تاجر متضرّر في المكان. وما يرفع منسوب الأزمة، سيارات ركنها أصحاب معارض السيارات في الطرق المقطوعة، ويشتكي أصحاب المتاجر من وجودها المعيق لوصول سيارات الزبائن، فيما لا تجد صاحب معرض واحد إلا وتبريره جاهز «قطع جماعة النفق أرزاقنا. أقفلوا ثلاث واجهات علينا. ضاقت أمتار قليلة بعيونكم؟» يسأل أحدهم.
بحسب محاضر مشروع تطوير النقل الحضري، فإنّه من المتوقع أن تنتهي أعمال الحفر في النفق مع نهاية هذا العام، لكن الصورة على الأرض لا تبشّر بنهاية قريبة. لن تحتاج إلى خبرة في الهندسة المدنيّة لتؤكد أن نهاية «فيلم» النفق ستطول. كذلك، يؤكّد التجّار المرابطون في محالهم يومياً، أنّهم منذ فترة شهر تقريباً، لم يروا إلا عملاً قليلاً وغياباً للعمّال. هكذا، لا يبدي جيران النفق تفاؤلاً بنهاية أزمتهم، وخصوصاً في ظل ما يتردّد، بصفة غير مؤكّدة، ولكن مقلقة، عن استمرار أعمال النفق حتى عام 2012. مدّة لا ينفع الصبر أمام خسائرها المتوقعة، وهذا ما دفع بعض التجار إلى البحث عن محال جديدة، سيتأكدون قبل استئجارها، أن لعنة الحفريات لن تصل إلى الشوارع المحيطة بها.


الشاطر بشطارتو؟

تحوّلت بعض الطرق المحيطة بالنفق إلى مناطق مغلقة، استغلّها بعض أصحاب معارض السيّارات لهدفين: الأوّل، عرض سيارتهم خارج باحات المعارض. أما الهدف الثاني، فهو نشر عمّال في كل زاوية مشرفة على طريق مرور السيّارات، وذلك لسؤال بعض المارّة بسياراتهم، عمّا إذا كانوا ينوون بيعها. أضافت هذه المسألة مشكلةً جديدةً إلى مشاكل التجار، الذين اعتبروا هذه الطرق موقفاً لما بقي من زبائنهم. وفيما يؤكّد أحد التجار أن «بلدية الشياح لم تعالج موضوع السيارات بعد زيارتنا لها»، يطلب مصدر بلدي من التجّار تقديم شكوىً خطيّة للبلديّة، توضح مكان المخالفة ومرتكبيها «حتى نعالج الموضوع بأسرع وقتٍ ممكن».