رامي زريقيمثّل التراث الغذائي حجر زاوية الثقافة المحلية. فهو ينبثق من تقاطع التاريخ والجغرافيا والتقاليد الاجتماعية. فالغذاء الذي نصنّعه محلياً، ومنه ما نطلق عليه اسم المونة، جزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والإيكولوجية. وقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو)، بأهمية الحفاظ على التراث الغذائي، ونظّمت عدداً من المؤتمرات التي ضمّت خبراء من مختلف أنحاء العالم، وأصدرت منشورات عديدة في هذا المجال. كما أصدرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) أخيراً دراسة عن العلاقة بين الأغذية التقليدية والصحة، لافتةً إلى ثراء المعرفة التقليدية التي تتركّز في هذا النمط الثقافي، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنوع البيولوجي. إلّا أن الأخطار التي تهدّد الموارد الطبيعية تؤدّي بدورها إلى انحسار الثقافة الــغذائية التقليدية بسبب انقراض مواردها الأولية. وتشير الدراسة أيضاً إلى اختفاء ثلاثة أرباع التنوّع الوراثي الزراعي خلال القرن الماضي.
تعدّ بلدان المشرق العربي من أهمّ مراكز التنوع البيولوجي الزراعي والغذائي في العالم، فسهول حوران هي المصدر الأساسي لأصناف القمح التي دجّنها الإنسان وانتقلت إلى العالم. وجبال السويداء تحوي وحدها أكثر من 36 صنفاً من الكرمة، يصنّع منها الأهالي منتجات عدة مثل الزبيب والنبيذ والدبس. بالرغم من هذا الإرث الثقافي الغني، لا تزال البلدان العربية غائبة عن أكثر الفعّاليات التي تربط بين الغذاء والثقافة. كما أننا نفتقر إلى الأبحاث والمسوحات العلمية التي تمثّل الخطوة الأولى للحفاظ على تراثنا من الثقافة الغذائية. فكيف يتحسّر العرب على إضاعة فرصة التصدر في الأونيسكو فيما نحن لا نبالي بهذا الجزء الأساسي من ثقافتنا المحلية؟