الزواج كورقة اليانصيب، يقامر فيه الرجال بحريتهم والنساء بسعادتهن. اقتصر مفهومه بالنسبة إلى المرأة على المنزل، إلى أن تعلمت ودخلت سوق العمل، فاضطرت إلى المفاضلة بين الاتجاهين، أو الجمع بينهما
نادين كنعان
نانسي (20 عاماً) تدرس الإعلام وهي متزوجة منذ بضعة أشهر، ترى أن موضوع الزواج هو قسمة ونصيب، وأنه لم يضغط عليها أحد لأجله. وجدت «الشخص المناسب»، ولم يكن هناك مبرر لرفضه، فقبلت به وقررت متابعة تعليمها في الوقت ذاته. مسألة التوفيق بين الجامعة والزواج ليست سهلة مطلقاً، ولكن ما دامت قد قبلت تحمّل المسؤولية، فمن واجبها ألّا تقصّر بحق أي منهما. وهي تقرّ بأن الموضوع متعب أحياناً، لكنّ تفهّم زوجها ومساعدته لها في الأعمال المنزلية يسهّلانه. وبما أنها حامل حالياً، تتوقع أن يمثّل الطفل ضغطاً إضافياً عليها، لكنها تنوي الاستعانة بوالدتها لاجتياز هذه المرحلة الصعبة.
في السياق ذاته، قررت سحر (22 عاماً)، وهي طالبة في كلية الآداب ـــــ الفرع الأول، أن تقدم على خطوة الخطوبة، لأنها الحلّ الوحيد لتتمكن من البقاء مع حبيبها، بسبب معارضة أهلها لفكرة أن تكون «مصاحبة». إلى جانب هذه المشكلة، فالارتباط لم يكن وارداً بالنسبة إلى أهلها قبل إكمال دراستها الجامعية، والشخص الذي تحبه لم يرق إلى تطلعاتهم، فهو «لا وزير ولا أمير ولا رجل أعمال كبير»، كما تقول سحر ساخرة، لتؤكد أنها، بفضل شخصيّتها القوية، استطاعت أن تحصل على ما تريد وأن تخطب أحمد. لا يمثّل الأمر أي ضغط عليها ولا يؤثر على دراستها، وهي في الوقت الحالي لا تستعجل فكرة الزواج نهائياً.
أما سمر (41 عاماً) فمتزوجة منذ حوالى 22 عاماً، وهي أم لأربعة أولاد. تزوجت في الـ17، لكنها نالت شهادة البكالوريا. بعدها التحقت بالجامعة، لكنها لم تكمل اختصاصها بسبب ظروف الحرب الأهلية اللبنانية، عدا عن نظام الجامعة القديم الذي كان يحتّم عليها إعادة تقديم امتحانات كل المواد إذا رسبت في مادة واحدة، وغياب دعم زوجها لها. تلقّت من فترة وجيزة اتصالاً من إدارة الجامعة يخبرها عن نظام أل.أم.دي ويشجعها على متابعة دراستها، فقررت فعل ذلك بعلم من ابنها البكر فقط (19 سنة). تنوي سمر إخبار عائلتها بالموضوع خلال الفترة المقبلة، لكي لا تمثّل آراءهم وتعليقاتهم عامل إحباط لاندفاعها وتصميمها. وهي مرتاحة إلى هذا الوضع ما دامت لا تقصّر في حق منزلها وأولادها.
بالنسبة إلى سماح (23 عاماً)، ففي حياتها أولويات، والتعليم يأتي في المرتبة الأولى من أجل تحقيق مكانتها الاجتماعية والعبور نحو الاستقلالية والتميّز. تعتقد أن شهادتها هي سلاحها الوحيد في مواجهة كل أنواع الظروف، فيما هي ليست مضطرة إلى الزواج باكراً لأنها لا تعاني من ضائقة مالية ولا من عقلية أهل رجعية. الزواج بالنسبة إلى سماح تتويج لمراحل حياتها، وهي مستعدة للتخلّي عن مهنتها مستقبلاً في سبيل تكوين أسرة والاهتمام بزوج يكمّلها ولا يعاملها كأنها جزء من أملاكه.
وفي الانتقال إلى علا (26 عاماً)، فقد تزوجت الشابة وهي لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها بضغط من أهلها، الذين فرضوا عليها موظفاً في شركة الكهرباء في الـ41 من عمره. كانت تعيش وسط عائلة فقيرة مؤلفة من أب وأم وسبعة أولاد في غرفتين، وعندما كبرت نسبياً أخرجت من المدرسة لأن أهلها لم يعودوا قادرين على تحمّل مصاريفها. وفي ظل أب قاس يضرب أولاده وأم لا تجرؤ على «كسر» كلمة زوجها، رضخت علا للأمر الواقع. ظلّ التعليم حلماً يراودها وتتمنى متابعته، إلا أن الأهم بالنسبة إليها اليوم هو أولادها الذين تصرّ على توفير أفضل الظروف لهم ليتعلموا.
أما ألين (35 عاماً) فحاصلة على ماجستير في العلوم السياسية. كانت تحلم بالزواج وتأسيس عائلة بعد تخرّجها من الجامعة، وتحقيق ذاتها من خلال العمل في السياسة والعلاقات الدوليّة، لكنّ مشكلتها بدأت عندما انجرفت بالمؤتمرات واللقاءات والتدريس...

متابعة العمل بعد الزواج مرهقة يسهّلها تفهّم الزوج

إضافة إلى إنهاء علاقتها بالشاب الذي أحبّت، بعد ما يزيد على ست سنوات من هذه العلاقة التي انتهت بسبب الخيانة والكذب. تعترف ألين بأنها نادمة لأنها لم تحقق حلمها، لكنها لا تثق بالرجال مطلقاً واختيارها لهم بات معقّداً جداً، ويزداد تعقيداً مع مرور الوقت. كذلك فإن عملها اليوم يُعدّ الضمانة الوحيدة والأكيدة بالنسبة إليها، وهي غير مستعدة للاستغناء عنه في سبيل أحد.
تختصر المتخصصة في علم النفس العيادي، لين أبو زكي، العوامل التي تتحكم في تفاوت أولويات الفتيات بين العلم والزواج بالآتي: بدايةً العوامل المالية. فالفتاة التي تنشأ في ظل عائلة تعاني من ضائقة مالية، غالباً ما تلجأ إلى التخلّي عن العلم لمساعدتها، وفي أحيان أخرى تصبر الفتاة لمتابعة دراستها لتتمكن من العمل وتحسين وضعها الاجتماعي. والعامل الثاني الذي تحدثت عنه أبو زكي هو طريقة التربية التي يعتمدها الأهل. فهناك من يشجع ابنته على العلم، وهناك من يربّون بناتهن على أساس النظرة التقليدية إلى المرأة.
وركزت أبو زكي على تجربة الأم بالتحديد، من زاويتين: الأولى تتعلق بما إذا كانت الأم متعلّمة أو لا، والثانية بنجاح تجربتها في الزواج. فكلما كانت علاقة الأهل طبيعية وصحية، اندفعت الفتاة نحو الزواج. أما علاقة الأهل المتعثرة، فتجنح بالفتاة نحو العلم وحصر اهتمامها به أحياناً. وتؤكد في نهاية الأمر أن الموضوع يختلف بين فرد وآخر، حتى بين إخوة نشأوا وسط العائلة نفسها، بسبب عوامل على صلة بالشخص نفسه.


المسؤولية مضاعفة لمن يقبل التحدّي

أهمية العلم بالنسبة إلى المرأة أمر لا يمكن نكرانه. وسواء قررت التخلي عن الدراسة في سبيل العائلة، أو جعلت من العلم أولويتها، أو قررت الجمع بينهما، فهي تفيد المجتمع وتستفيد منه. من تصرّ على التعلم يجب ألا تهمل بناء أسرتها، وكذلك التي تقرر التخلي عن العلم من أجل الزواج، عليها أن تثقف نفسها بكل الطرق المتاحة. ويبقى على التي تقرر الجمع بينهما إعطاء كلّ منهما حقه، لأنها قبلت التحدّي!