يمعن الحطابون ورعاة الماشية في جرود برقا ونبحا وعيون ارغش وتخريبا في غابة اللزاب هناك. والمصير الاسود يتقدم بسرعة نحو اشجار معمرة منذ الف سنة واكثر، اما حارس الغابة المتطوع ذاتياً منذ 35 سنة، نزيه جعجع، فيقف عاجزا عن توفير الحماية لشجرة تعطي اكثر من 50 طنا من الاوكسجين وتمتص كميات كبيرة من الهواء الملوث، تفترسها شيئا فشيئا جرافات استصلاح الاراضي دون اكتراث باهم غابة لزاب في العالم
البقاع ــ عفيف دياب
"انت في اهم غابة لزاب في العالم، كن امينا"، تنبيه وتحذير للعابرين في جرد قرية برقا (1450 متر عن سطح البحر في قضاء بعلبك) رفعه نزيه جعجع (62 عاما) مع مجموعة من الناشطين في القرية يعملون منذ 35 سنة على توفير الحماية قدر المستطاع لاشجار اللزاب المعمرة في جرود برقا ونبحا وعيناتا ومحيط عيون ارغش. "منذ ان ولدت وانا اعيش وحدة حال مع اشجار اللزاب"، يقول جعجع الذي لم يتعب بعد من "حراسة" غير رسمية لغابة هذا الشجر الذي يكبر الأرز، تمتد على مساحة 10 كيلومترات.
ويضيف الرجل الذي هو رئيس لجنة انماء برقا منذ 3 عقود "دخيلك يا عمي.. غابة اللزاب راح تخلص. الحطابين الجلادين ما راح يتركوا شجرة بالمنطقة، وما عاد نقدر على حماية الغابة لوحدنا".
يمعن الحطابون ورعاة الماشية، وتحت اعين السلطات الامنية، تخريباً و وتدميرا في غابة اللزاب، ويقدمون على قطع ما تبقى من الاشجار المعمرة في المنطقة. ويصف جعجع لمحدثه ميزات شجرته:" شجرة اللزاب، شجرة عريقة جدا، الحطابون والرعاة يقطعون اشجار يصل عمرها الى 700 سنة دون اي وعي، والدرك هنا لا يتدخلون ابدا، بل يتفرجون على ما يجري من قطع لاشجار اللزاب، ونحن لا سلطة عندنا تخولنا قمع او حتى منع التعدي على غابة اللزاب هنا".
الإجراءات التي حاول الحارس المتطوع القيام بها لم تكف " قمنا ومجموعة من الناشطين في برقا بوضع شريط شائك على مساحة 15 كيلومترا لنحمي ما تبقى، ولكن الرعاة للاسف قطعوا الشريط واخذوا يخربون الغابة او يقطعون الاشجار من اجل التدفئة خلال فصل الشتاء، كما انهم لا يتركون شجرة سنديان واحدة، حتى السنديان بدأ يتراجع وجوده بسبب الرعي الجائر".
نزيه جعجع الذي يغادر برقا شتاء بسبب وضعه الصحي، ويمضي الربيع والصيف متابعا لما تبقى من اشجار اللزاب في جرد قريته ومحيطها، يتحدث بفخر عن اشجار قاومت كل العوامل الطبيعية منذ الاف السنين، ولكنه يكشف عن امر خطير مستجد في المنطقة من خلال استصلاح الاراضي في الجرد بهدف زرعة الكرمة واللوزيات.
ويقول :" بعض الاهالي هنا، وفي المنطقة يقدمون على استصلاح الاراضي في الجرد بهدف زراعة الكرمة واشجار اللوزيات، وللاسف يقدمون على قلع اشجار اللزاب دون اي إكتراث للمناشدات التي نطلقها بوجوب حماية هذه الشجرة والحفاظ عليها". ويتحدث جعجع كيف انه اختلف مع نسيب له اقدم على قطع شجرة لزاب عمرها حوالي 600 سنة بهدف زرع شجرة كرز مكانها و"منذ 1974 وانا اقوم بمتابعة غابة اللزاب، وكثر من الجمعيات البيئية المحلية والدولية زارتنا للاطلاع على ما تبقى من الغابة. يأتون ويتفرجون ولا نعود نرى منهم شيئا. يقدمون لنا الوعود بدعمنا ولكن لا حياة لمن تنادي". ويتابع " لم نر يوما وزارة البيئة، كما ان على وزارة الداخلية ان تلزم البلديات في المنطقة بتعيين نواطير لحماية ما تبقى من لزاب وسنديان، وان تعطى لهم صلاحيات واحالة كل من يقطع او يخرب شجرة لزاب الى القضاء، وان تكون العقوبات مشددة، والا لن تبقى شجرة لزاب واحدة في جرود منطقة برقا ونبحا وصولا الى جرود الهرمل".
ولا يتردد جعجع في التعبير عن تشاؤمه من ان اللزاب في جرود برقا ونبحا ومحيط عيون ارغش "لن تبقى صامدة لاكثر من 15 سنة اذا استمرت الدولة والجمعيات البيئية في تجاهل حماية الغابة في المنطقة. فاشجار اللزاب هنا معمرة منذ اكثر من الف سنة، وهي نادرة جدا وغير موجودة في اي منطقة من العالم غير هنا، وفي بعض جرود الهرمل، وعيناتا، واليمونة، ونبحا، والقبيات،

على وزارة الداخلية الزام البلديات بتعيين نواطير لحماية ما تبقى
واللقلوق، والعاقورة، والطفيل عند الحدود مع سوريا، و بعض مرتفعات جبل المكمل، واخرى في جرود عكار وتنورين واهدن".
الاهتمام الاهلي باشجار اللزاب الاخذ بالتراجع واللامبالاة، لا يجد فيه نزيه جعجع الا " مؤشرا على غياب الثقافة البيئية في لبنان، ومخاطر تتهدد ما تبقى من لزاب".
ويضيف " للاسف برامجنا التربوية تخلو من شيء اسمه البيئة والحفاظ عليها، ووسائل الاعلام لا تهتم بهكذا برامج، ففي حالات نادرة وجدنا وسيلة اعلامية محلية تلقي الضوء على اشجار اللزاب في لبنان وتعطي ارشادات لكيفية المحافظة على ما تبقى من لزاب معمر".
فشل جعجع ومجموعته في تشكيل حماية لشجيرات من اللزاب كانت تنمو في جرود برقا، يستدعي تدخل وزارة الزراعة، واطلاق مشاتل متخصصة لاكثار بذور اللزاب التي تحتاج الى برودة قارسة، وهي تجربة اطلقتها وزارة الزراعة السورية لاكثار البذور مؤخرا، يمكن الاستفادة منها.
فاللزاب الذي يعتبر من الفصيلة الصنوبرية، يحتاج الى وقت طويل لكي ينمو، اذ لا يتجاوز النمو من 2 الى 5 سنتميرات في السنة. ويقول نزيه جعجع ان عملية تكاثر البذور الطبيعية من خلال بعض القوارض وطير الكيخن الذي يتخلص من بذور اللزاب بعد اكلها اثر تخمرها في امعائه، تحتاج الى وقت طويل و"من هنا يجب ان تهتم الدولة باقامة مشاتل لبذور اللزاب، لتطوير ما عندنا من غابات بعد توفير الحماية اللازمة لها من خلال منع القطع والقلع، وتشجيع تربية النحل هنا، لان عسل اللزاب يعتبر من اجود الانواع في العالم واندرها".