زوطر الشرقية ــ كامل جابرقارب المفكر المصري نصر حامد أبو زيد بعض الهموم العربية، ولو بشيء من الاختصار، من خلال مناسبة محلية وشخصية أثناء زيارته بلدة زوطر الشرقية (النبطية)، معزياً بالفقيدة الحاجة فوزية أحمد لمع «أم عاطف ياغي» والدة الصديقة والزميلة زينب ياغي.
«كل الأمهات هنّ أمي» يقو ل لـ«الأخبار»، مضيفاً «الطفل اليتيم الذي في داخلي يتماهى مع الأمهات. فأمّي اللبنانية غابت وكان يجب أن أبقى مع أسرتي، آل ياغي وأبناء بلدة زوطر. أنا أتيت إلى لبنان من أجل ندوة، لكن كانت هذه الزيارة للجنوب من الواجب الملّح. أنا أرتبط بهذا الجنوب من خلال المقاومة وبما تعنيه بالنسبة إلينا كعرب. طبعاً أنا

صوتي كمفكّر طلع من هنا وكتبي توزع هنا
كمواطن عربي آتي إلى لبنان الذي يمثّل صوت العالم العربي؛ وكتبي جميعها صدرت من هنا؛ عندما نأتي إلى لبنان، الوطن الحرّ الذي كنا نسميه «هايد بارك» العالم العربي، فلأننا ندين له. أنا صوتي كمفكر طلع من هنا، ووجد التشجيع هنا، وكذلك توزيع كتبي من هنا ولم يزل».
ويضيف: «علاقتي بلبنان هي علاقة بهذا الوطن الحرّ الذي يخلق فضاءً ثقافياً غير موجود في كل العالم العربي؛ وما يحصل في لبنان اليوم يحزنني، لكن أبقى أحلم بلبنان الذي أعرفه. وفي جزء منه هذه المقاومة، التي تمتلك القدرة على التصدي لهذا العدو المتوحش».
وعما يجري في بلده الأم مصر، يقول: «مصر في وضع محزن بالنسبة إليّ، محزن في النظام الذي لا يهتم إلا بتثبيت نفسه، والفساد يعم كل الأرجاء؛ وهذه المشكلات ليست موجودة في مصر فحسب، بل في كل العالم العربي؛ وهي مشكلات محزنة وهذه قضيتنا كمثقفين وكمفكرين أن نفعل ما في وسعنا لاستعادة الوعي العربي».
أما في النادي الحسيني لبلدة زوطر الشرقية فقد خاطب رجالها من خلال ناديهم الخاص، ثم انتقل إلى نادي النساء حيث كانت له كلمة قال فيها: «أنا أؤمن بأن المرأة في المقدمة باستمرار، ليست هي وراء الرجل، بل ينبغي على الرجل أن يكون خلف المرأة. ولنا في نبينا محمد المثل الأعلى في ذلك. وكل الكلام الفارغ الذي

يجب أن نتقبل الغياب حتى نرى أحبابنا في الحلم
تسمعونه عن أن النساء ناقصات عقل ودين هو كلام مخزٍ؛ النساء يجب أن يأخذن دورهن في الحياة، أمي أخذت دورها وكانت أماً قوية جداً وذات شخصية قوية عندما واجهت الحياة حتى تربي أطفالها. وأم عاطف نموذج الأم المكافحة، هي ربما لم تذهب إلى المدرسة أو تتعلم، لكن واجهت الحياة لتنشئ جيلاً متعلماً وكانت تبحث لهم عن حلول تسهل عليهم هذه الحياة. شيء عظيم في حياتنا، الأم. أعظم شيء في حياتنا العربية هي الأم، تبدأ كأخت ثم كزوجة ثم كأم».
وقال «أنا أستاذ عندي 66 سنة، لكنّ في داخلي طفلاً يتيماً، إذ إن والدي مات وأنا لم أتجاوز الرابعة عشرة، وأمي ماتت وأنا كبير، ولذلك أرى في عيون أي أم أو في عيون الأمهات هنا عيون أمي، فأنا ابن كل الأمهات، والحاجة أم عاطف كانت بمثابة أمي، كنا «نهزّر» (نمازحها) لأنها ترفض أن تسلم عليّ باليد لأن في عرفها هذا حرام؛ فأقول لها: أنا لست ذكراً لأنني ابنك، فتردّ بضحكتها».


من كلمته التأبينية

«وأحبابنا وإن كانوا في مكان آخر نستطيع أن نراهم. تأتي أمّي إلي في الأحلام. ومن المؤكد أن أم عاطف ستأتيني، وعندما ستأتي هذه المرة في الحلم، من المؤكد أنها سوف تسلم عليّ لأنها تكون قد تخلصت من قيود بعض مفاهيم المجتمع. يجب أن نتخلص من الحزن، ونتقبل الغياب حتى نرى أحبابنا في الحلم. أحبابنا لا يأتون ونحن في الحزن فهم لم يزل همّهم الحبّ في الدنيا. لا يقدر أحد أن يتخلص من الحزن فهو يعيش معنا، لكنه الشيء الوحيد الذي يصغر كلما كبر. أنا جئت لأتحدث بين النساء عملاً بالمثل الشعبي المصري الذي يقول: «إن كان لك طرحة (أي ست) خشّ الفرحة، وإن كان لك عمامة فبطريق السلامة». أمي علّمتني هذه الحكاية، ومن أجل ذلك أحب النساء ذلك الحب الذي لا يغضب».