إيلي شلهوب


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لعل مقولة «ابتسم أنت لبناني» هي الأكثر تعبيراً عن واقع حال المواطن الذي لا حول له إلا الابتسام بانتظار تبلور الأمور في محيطه العربي والدولي، لعلّ حكومته تبصر النور قريباً، رغم أنه مقتنع بأنها لن تُسمن ولن تغني من جوع. آخر التطورات الإقليمية المرتبطة مباشرة بالشأن اللبناني كان تلك القمة «التاريخية» التي جمعت الملك عبد الله بالرئيس بشار الأسد، وما رافقها من مظاهر «استثنائية»، في مقدمها استقبال الرئيس السوري لضيفه وتوديعه في المطار في خرق للبروتوكول المعمول به في دمشق.
كان التركيز كله في بيروت منصبّاً على الترحيب بالقمة والإعراب عن الأمل بأن تنعكس إيجاباً على الوضع اللبناني، بانتظار بضع كلمات عن الرغبة السعودية ـــــ السورية في تأليف حكومة وحدة وطنية في لبنان.
أما في دمشق، فكان الحديث عن تاريخية هذا الحدث والأجواء الإيجابية التي رافقته، فيما تولّت الأبواق في الرياض إظهار حفاوة الاستقبال بالملك والتأكيد أن العلاقات بين البلدين قد عادت إلى سكّتها الصحيحة.
صحيح أن المطلوب في هذا الوضع العربي المتردي هو الدفع نحو التقارب وتشجيع كل خطوة في هذا الإطار، لكن ذلك لا يمنع من التساؤل عن بعض ملابسات القمة التي لم يتكشف بعد ما جرى فيها. من هذه الملابسات، اختصار الزيارة إلى يومين وإلغاء ما أُشيع عن جولة على حلب واللاذقية، رغم التبريرات الأمنية والتذرع بصحة الملك الثمانيني. هناك أيضاً عدم صدور بيان مشترك، كما هي العادة في مناسبات كهذه، والاستعاضة عنه ببيانين منفصلين خرج أحدهما من دمشق والآخر من الرياض، مع ما يحملانه من تمايز، وإن بدا طفيفاً: تأكيد البيان السعودي لعروبة العراق ودعم حكومة اليمن، ما غاب عن البيان السوري، مع ما لهذين الأمرين من تلميحات تطال طهران.
الحديث عن أن البيانين كُتبا على عجل تبرير غير مقنع، ولا يحجب مخاوف السعودية من إيران الشيعية، وقلقها من الدور المتنامي لتركيا السُّنية في المنطقة، في مقابل تمسّك سوريا بعلاقاتها مع هاتين الدولتين الحليفتين. الخلاصة: تقارب ولكن. أما الإنجاز، فهو فصل العلاقات الثنائية عن الملفات الخلافية، التي يبدو أن لبنان قد خرج منها أو كاد.
وهنا، لا يسع المرء إلا استذكار الضلع الثالث مما كان يعرف بالمثلث العربي: مصر. أين هي من كل ما يجري؟ الإجابة البسيطة: ليست معنيّة بحكم اختلاف أولوياتها، وإن كانت بلا شك ممتعضة من الدفء العائد إلى العلاقات السورية ـــــ السعودية، الذي يضعها في عزلة عن السياقات الإقليمية. هي البعيدة جغرافياً عن دائرة الصراع مع إيران، وبالتالي لا ترى أنها تواجه تهديداً مباشراً. والبعيدة نفسياً بحكم انهماكها قيادةً وشعباً بحفلة وراثة يبدو أن أجيالاً إضافية ستفنى قبل بلوغ نهايتها التي يعدّ الموقف الأميركي حاسماً في تحديد طبيعتها. فضلاً عن أنها ترى أن مصالحها الحيوية قد ضُمنت، بعدما كرّست احتكارها (ولو الشكلي) للملف الفلسطيني (بأمر العم سام)، وتحافظ على هنائها في حديقتها الخلفية (السودان). كذلك فإن هامش حركتها أقل من السعودية، التي توفّر لها مواردها النفطية بعضاً من الاستقلالية، حتى عن الولايات المتحدة. أما في ما يتعلق بتصفية الأحقاد، فهي ـــــ كما هو معروف في عالمنا العربي ـــــ متروكة للأجهزة الأمنية.
هناك أيضاً ملف العلاقات الأميركية ـــــ السورية، التي شهدت أخيراً تطوراً نوعياً تمثل بالزيارة الرسمية التي قام بها فيصل المقداد لواشنطن، الأولى من نوعها منذ سنوات. وملف العلاقات السورية ـــــ الأوروبية التي ستبلغ نهايتها السعيدة هذا الشهر بالتوقيع على اتفاقية الشراكة. وقبلهما التقارب الأميركي ـــــ الإيراني عقب لقاء جنيف...
حراك إقليمي دولي متواصل يراقبه اللبناني عبر شاشات التلفزة؛ المواطن يستخلص أجواءً تعينه على تلمّس مستقبله القاتم، فيما المسؤول يترقب إشارة من هنا أو استدعاءً من هناك توضح له الطريق الذي عليه أن يتخذه. جماعة 8 آذار لا بد أنهم يضحكون في سرّهم. يحصدون الأرباح التي جناها معسكرهم أيام بوش، الذي لا بد أن جماعة 14، أو بالحد الأدنى الصقور فيها، تترحم عليه.
إنها إرهاصات عهد أوباما الذي لم يمضِ في البيت الأبيض أكثر من تسعة أشهر، جهد خلالها لحلّ الملف الفلسطيني، فسلّم بالاستيطان الذي «يهدد استقرار المنطقة». ولحلّ الملف الإيراني، فسلّم بالتخصيب الذي طالما عدّته واشنطن «تهديداً للسلام العالمي». ولحلّ الملف العراقي، فنقل حربه إلى أفغانستان، التي يتوقع أن تكون فييتنام خاصته. هو نفسه الذي اتصل بمحمود عباس (بحسب رواية رام الله التي لم تنفها واشنطن) وضغط عليه لكي يسحب تقرير غولدستون، الذي يثبّت جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، من التداول من مجلس حقوق الإنسان.
مبروك للرئيس المعجزة «نوبل للسلام».
يا سلام