عاشت منطقة جبل محسن وطرابلس في اليومين الماضيين على حافة عودة الأوضاع الأمنية إلى تفجرها مجدداً، لكن الأمر بقي تحت السيطرة، وجرى احتواء ردود الفعل عليها، وسط تساؤلات عن الجهات التي تطلق القذائف، وعن صحة الاتهامات بشأن الجهات التي وجهت إليها أصابع الاتهام
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
بعد مرور نحو 24 ساعة على سقوط قذيفة إنيرغا مساء الأربعاء الماضي على مقهى الأشقر الشعبي في جبل محسن في طرابلس، وجرحها 10 أشخاص دفعة واحدة، في موازاة سقوط قذيفة مماثلة فوق حارة السيدة قرب طلعة العمري، تعرضت المنطقة مساء أول من أمس مرة ثانية لسقوط 4 قذائف عليها، الأولى في ملعب حركة الشباب قرب مقهى الأشقر، والثانية في حارة السيدة، والثالثة في شارع الإمام علي المحاذي لشارع سوريا الفاصل بين جبل محسن وباب التبانة، والرابعة في سوق القمح.
ومع أن القذائف الأربع لم توقع سوى إصابات طفيفة قياساً بالمرة السابقة، فإن ردة فعل أهالي جبل محسن عليها كانت عنيفة ومتوترة، بعدما شعروا بأن القذائف التي تستهدفهم تدفعهم إلى أن ينجرّوا للرد عليها، فنزلوا إلى الشارع الرئيسي في منطقتهم المعروف بـ«طلعة الشمال» وقطعوه بإطارات السيارات المشتعلة، وكذلك الأمر في طلعة العمري. وكاد الأمر يخرج عن السيطرة عندما حاول أحد الجنود تفريقهم بإطلاقه الرصاص في الهواء، لكن فاعليات المنطقة، وعلى رأسهم مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد، اضطروا للنزول إلى الشارع لاحتواء تداعيات الأمر وسحب المعترضين، قبل أن يعاود الجيش فتح الطريقين بعد أقل من ساعة على قطعهما.
هذه الأجواء التي جعلت منطقة جبل محسن تعود لتمثّل «الخاصرة الرخوة» في طرابلس، دفع مراقبين محليين إلى عدّها «أكثر مكان قابل للاشتعال بينه وبين محيطه، لكون أرض الخلاف وجذوره وافتعال الإشكالات خصبة، نظراً لتوافر معطيات عدة فيها من خارج السياق».
في مقابل ذلك، رأى مختار التبانة ـــــ جبل محسن عبد اللطيف صالح أن «ما قام به أهالي جبل محسن هو ردة فعل عفوية منهم لاستهدافهم»، مشيراً إلى أنهم فعلوا ذلك «كي يطلبوا من الدولة والأجهزة الأمنية وضع حدّ لهذه الممارسات، لأن الوضع لم يعد يحتمل، ما جعلنا ننزل إلى الشارع لسحب المعترضين، حتى لا تفلت الأمور وننجر إلى فتنة».
وإذ أكد صالح أنه «لم نتهم أحداً من منطقة باب التبانة أو غيرها بإطلاق القذائف علينا، ولم نتهم تيار المستقبل»، متمنياً عليهم «التضامن معنا لأننا نتعرض لاعتداءات»، أشار إلى أن «المعلومات المتوافرة لدينا تفيد بأنّ القنابل أطلقت من منطقة المنكوبين، لا من مخيم البداوي كما تحدث البعض»، موضحاً في مقابل ذلك أن «إجراءات اتخذت لمنع التجمعات في مقاهي المنطقة خشية تعرضها للقذائف مجدداً».
أما في منطقة باب التبانة التي كان أي إشكال صغير أو تافه بينها وبين جبل محسن يؤدي إلى انفجار الوضع الأمني في طرابلس على نطاق واسع، فإن الهدوء الحذر الذي تشهده دفع فاعليات فيها إلى التأكيد لـ«الأخبار» أن «ما يحصل هو «شغل أجهزة»، لافتة إلى تخوفها من «احتمال تطور الأمور نحو الأسوأ»، وإن كانت قد رأت أن «تجاوز المنطقتين قطوع اليومين الماضيين هو أكبر دليل على أنه لا علاقة لهما بالتوتر الأمني الحاصل»، مؤكدة أنه «لا تكفي معرفة من يطلق القنابل والقبض عليه، بل أيضاً معرفة من يقف وراءه ويحضّ عليه ويدعمه».
لكنّ شهوداً عياناً من باب التبانة أفادوا بأن «شباناً من المنطقة تجمعوا مقابل طلعة العمري عند مدخل سوق الخضار قرب الجامع الناصري، لكن وجود الجيش الكثيف، وانتشاره في شارع سوريا وداخل المنطقة، وإقامته حواجز ثابتة ومنعه تجمعات المواطنين وفصله بين المنطقتين، أسهمت في ضبط الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة».
في غضون ذلك، ارتفعت حدة السجالات والاتهامات المتبادلة بشأن الجهة التي تقف وراء إطلاق القذائف، ففيما رأى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أن «جهة خارجية عابرة، غير مستقرة بمكان، هي من يطلق القذائف»، اتهم عيد علناً ومباشرة «الاستخبارات المصرية التي باتت تملأ طرابلس، والاستخبارات الأردنية، بالوقوف وراء الموضوع»، مشيراً إلى أنه «نتيجة تضررها من التقارب السوري ـــــ السعودي الأخير الذي همّشها، تعمل على «خربطة» الوضع الأمني، ووجدت في منطقتنا أرضاً خصبة لذلك، وأن هذه الجهات باتت تفضل العمل بنفسها بدل الاتكال على عملاء لها لتنفيذ مخططاتها».
هذا الاتهام المباشر للمصريين دفع سفارتهم في بيروت إلى الردّ على اتهامات عيد، ورأت أن «هذا الاتهام لا أساس له من الصحة، وهو مرفوض جملة وتفصيلاً، وهو اتهام يسيء إلى قائله، ولن ينال من العلاقات التاريخية المعروفة للقاصي قبل الداني بين مصر ولبنان، وأواصر الأخوة المتجذرة بين الشعبين الشقيقين».
وأكدت السفارة أن مصر «من أشد الحريصين على تعزيز أمن لبنان

قال مصطفى علّوش إنّ لسوريا أعداءً في لبنان ربما لم يتحملوا رؤيتها تحقق توافقاً عربياً
واستقراره وضمان سيادته على كامل أراضيه، ونهوض مؤسساته الدستورية بمسؤولياتها الوطنية»، وهي «تحرص دوماً على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهي في علاقاتها مع لبنان إنما تعكس هذا الحرص بكل الوضوح والشفافية، وتجارب التاريخ والواقع المعاصر بين البلدين خير شاهد على ذلك».
ولفتت السفارة إلى «مدى حرص القيادة المصرية في تحركاتها كافة على وحدة الصف العربي وتعزيز التضامن في ما بين الدول العربية بكل صوره وأشكاله، لإدراكنا العميق أن هذه هي السبيل الوحيدة للحفاظ على والنهوض بالمصالح العربية»، مهيبة «بمن يتصدى لمخاطبة الرأي العام توخي الدقة والموضوعية والصدق، بعيداً عن أية نزاعات شخصية هدفها فقط أن تكون في دائرة الضوء».
الأمور لم تقف عند هذا الحد، فالنائب السابق مصطفى علوش أوضح أن «لا معطيات لدينا عن الموضوع، والسؤال عمّن يقف وراء هذه الأعمال لا جواب عنه، بل مجرد استنتاجات، وإذا كنا نتهم الاستخبارات المصرية، فعلى أي أساس؟ ولماذا لم يلقوا القبض على أحد منهم، فضلاً عن أنه ما هي مصلحتهم في تفجير الوضع؟ وإذا كانت مصر متضررة من التقارب السوري ـــــ السعودي، فهل هي قادرة على التفجير إذا لم يكن هناك قرار سوري بذلك؟ وإذا افترضنا أن المصريين متضررون، فكذلك الحال هو عند الجانب الإيراني، لكن أين الدليل على اتهاماتنا؟».
ورأى علوش أن «المونة السياسية على أطراف جبل محسن وباب التبانة معروفة لمن، لكن إذا كان قد حصل توافق كبير، فإن الوضع فيهما سيهدأ، وهذا هو اقتناعي». لكنه لم يستبعد «وجود أطراف داخلية متضررة إلى جانب أطراف خارجية، لأن لسوريا أعداءً في لبنان، وهؤلاء ربما لم يتحملوا رؤيتها تحقق توافقاً عربياً».


الفصائل ترفض زجّ المخيم في المشكلة

أثار اتهام منسّق تيار المستقبل في الشمال، عبد الغني كبارة، مخيم البداوي بأنه المكان الذي أطلقت منه القذائف، حسب معطيات أمنية متوافرة لديه، ردود فعل في المخيم. فقد استهجنت قيادة الفصائل «ما جاء على لسانه، لأنه لا يستند إلى أية أدلة، ويأتي في سياق الاتهام السياسي للمخيم، وهو اتهام مرفوض جملة وتفصيلاً»، مؤكدة «وقوفنا على مسافة واحدة من جميع الأطراف اللبنانيين، ونرفض الزج بالمخيم الفلسطيني في التجاذبات اللبنانية الداخلية، وهو ما أكدته المواقف العملية الفلسطينية خلال الفترة الماضية، بشهادة كل المرجعيات الأمنية والسياسية اللبنانية في المنطقة».
كذلك نفى المسؤول العسكري في حركة فتح في الشمال أبو عماد الوني «كل ما يشاع من أخبار عن تورّط المخيم»، مؤكداً أن الفصائل «بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية الداخلية اللبنانية، وأن مخيم البداوي لا علاقة له من قريب أو من بعيد بما يجري من إشكالات أمنية في المناطق المجاورة للمخيم، التي يوجد فيها الجيش اللبناني»، مشيراً إلى أن الفصائل «اتخذت مجموعة من التدابير الداخلية التي تمنع اختراق المخيم».