عمّمت القوى الأمنية قبل أسبوع كتاباً على جميع رؤساء الجامعات الخاصة في لبنان، طلبت فيه إعداد لائحة تتضمن معلومات عن جميع الطلاب المسجلين لديها بين عامي 2003 و2006، لتسليمها إلى المحكمة الدولية، وفقاً لما أكده مسؤول أمني رفيع. وتجاوبت بعض الجامعات الخاصة مع الطلب، فيما لم تتسلّم الجامعة اللبنانية كتاباً مماثلاً حتى الآن
أحمد محسن
لا يزال قرار التدقيق في سجلات الطلاب اللبنانيين بلا تداعيات حتى الآن. كل ما في الأمر، أن كل من مر منهم على الجامعات اللبنانية الخاصة، بين عامي 2003 و2006، سيخضع لتحقيقٍ رسمي وجدي، وإن كان غير مباشر، رغم أن عددهم ليس قليلاً. ستبحث المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في أرقام هواتفهم، وعناوين سكنهم، وأرقام سجلاتهم، وطبعاً هوياتهم الكاملة. وكانت «الأخبار» قد تطرقت إلى الموضوع في عدد الاربعاء ٣٠ أيلول ٢٠٠٩.
تريد المحكمة أن تعرف كل شيء في تلك الحقبة. هذا ما يحتاج إليه التحقيق حتى الساعة. أكد مسؤولون في وزارة التربية والتعليم العالي أن طلب القضاء الدولي هو سابقة في تاريخ الجسم الأكاديمي اللبناني، لم يشهد لها مثيلاً. لكن النيابة العامة التمييزية وافقت على هذه السابقة، لتسهيل عمل العدالة الدولية. وحسم مسؤول أمني رفيع معنيّ أي التباس في الموضوع، وطبيعة الجهة التي طلبت التحقيق في سجلات الطلاب، فأكد أن أعلى سلطة قضائية في لبنان، أعطت أمراً للقوى الأمنية بتنفيذ طلبات المدعي العام الدولي دانيال بلمار.

استباحة خصوصية الطلاب؟

دخل المشروع في الحيّز التطبيقي، إذ أكد رئيس إحدى الجامعات الخاصة في لبنان لـ«الأخبار»، في وقتٍ سابق، أنه تلقى اتصالاً من مسؤولين أمنيين في قسم المباحث الجنائية المركزية، طلب منه خلاله الأخيرون، الحصول على كل المعلومات المتوافرة في أرشيف الجامعة عن الطلاب الذي انتسبوا إليها بين عامي 2003 و2006. هناك آلية دقيقة للحصول على المعلومات أيضاً. لفت الجامعي المذكور، إلى أن القوى الأمنية طلبت منه تجهيز هذه المعلومات، وتكديسها على قرص مدمج، من دون أن يفوت رجال الأمن تذكيره
رأى حقوقيون لبنانيون في الطلب القضائي تضييقاً على الحريات العامة
بأن الأمر قضائي، ما يعني عدم إمكان الإفلات منه. وتجنباً لإضاعة الوقت، الثمين طبعاً، لفت مسؤولون أمنيون إلى أن الطلب سيرسل إلى الجامعات خطياً، وأن المعلومات المطلوبة يجب أن تكون قبل نهاية الأسبوع الحالي. وتضاربت معطيات رئيس الجامعة، مع ما أشار إليه مسؤولون أمنيون، حيث نفى الأخيرون علمهم بالمهلة المحددة التي حددها الرئيس بلمار. لن تكون المهلة إلى ما شاء الله، في ضوء ما أصاب الجامعة الخاصة من ضغوط، أجبرت عبرها على الإذعان للقضاء. ستفشي الجامعة هويات طلابها وبياناتهم الشخصية تنفيذاً للأوامر العليا. حاول المسؤول الجامعي المذكور تخطي أي نتائج محتملة للقرار، فأعلم القوى الأمنية أنه سيرسل أحد الموظفين الإداريين في الجامعة، ليتسلم الطلب الخطي المهم، وذلك تجنباً لزيارة غير متوقعة، من إحدى الدوريات الأمنية إلى حرم الجامعة.
وفي الإطار ذاته، أبدى مسؤول جامعيٌ آخر امتعاضاً شديداً من القرار الدولي. برأيه، الطلب ظالم و«يدخل في تفاصيل الحياة الجامعية». هل يعقل أن يشتبه المحققون بهذا العدد الكبير من الطلاب؟ لم يفت الأكاديمي أن يذكّر بحرصه على العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب، لكنه «مرتابٌ من الطلب». شدد مجدداً على أنه ليس من المنطقي الاشتباه في كل الطلاب، فإذا كان من بينهم مشتبه فيه، فليكن، لكن ليس الجميع. وأردف الجامعي أن عدم معرفته بالشؤون الأمنية الدقيقة، وكيفية سير التحقيقات، لا يعني أبداً القبول باستباحة الخصوصية الفردية للطلاب، علماً بأنه ليس بينهم متهمون.

«اللبنانية» خارج القرار... حتى الآن

تبدو الجامعة اللبنانية حتى الآن، غير معنية بالكتاب المذكور. أكد رئيس الجامعة، زهير شكر، أنه لم يتبلغ خطياً أي قرار من النوع. الجامعة اللبنانية مقفلة في هذه الفترة أساساً. هذا ما أشار اليه مقربون من شكر. لكن ماذا عن إمكان تسلّم الجامعة اللبنانية طلباً مماثلاً كذلك الذي تسلمته الجامعات الخاصة؟ يؤكد مقربون من وزيرة التربية والتعليم العالي، بهية الحريري، أن الوزيرة لا ترغب في التدخل في الموضوع، وستترك الخيار لرئاسة الجامعة، في كيفية التعامل مع الموضوع في حال حدوثه. رأى المقربون أن طبيعة الموضوع الحساسة، لحرص الوزيرة الحريري على سلامة التحقيقات، وتالياً امتثالها لكل ما يتطلبه التحقيق الدولي في هذا الإطار، وهذا ما قد يضعها في موقع حرج، بين علاقتها المهنية بوصفها وزيرة للتربية مسؤولة عن شؤون الجامعة اللبنانية، والحالة العاطفية القائمة في الأصل، ورغبتها القوية في الوصول إلى حقيقة ملموسة، في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعلى أي حال، كان للمقربين من الوزيرة الحريري رأي مشابه لآراء الأكاديميين، في تصنيف الحدث على أنه سابقة في تاريخ الجامعة، متوقعين بروز عقبات، أو اعتراضات عليه، رغم الصفة القانونية التي يحملها، بمجرد صدوره عن النيابة العامة التمييزية. ويتفاقم هذا الالتباس تدريجاً، إذ أشارت مصادر مقربة من رئيس الجامعة زهير شكر، عدم رغبة الأخير، أو قدرته، على اتخاذ قرار حاسم في التجاوب أو عدمه، من دون الرجوع إلى السلطة التنفيذية، التي تمثلها الوزيرة الحريري في هذه الحالة. وفي ضوء هذه الرؤية المتناقضة بين مصادر وزارة التربية، ومصادر رئاسة الجامعة اللبنانية، يتوقع أن تضيع «الطاسة»، حين يصل الطلب إلى أروقة الجامعة اللبنانية، اللهم إلا إذا كان الطلاب المشتبه فيهم طلاب جامعات خاصة فقط، كما هي الحال المعلنة حتى الآن.
ولا يدعو الأمر للتفاؤل كثيراً، فقد رجّح مسؤول أمني رفيع، أن يكون الكتاب في طريقه إلى الجامعة اللبنانية هي الأخرى، خلال وقت قريب، ملمّحاً إلى أن إمكان التنصّل من طلبات كهذه يكون صعباً «عادةً في العموم»، لكنه لا يلبث أن يوضح إمكان وجود بعض الثُّغر التي تتعلق بالجوانب التقنية، إذ يمكن أن لا تكون كل الجامعات قادرة على جمع أرشيف طلابها، أو المحافظة على المعلومات الخاصة بهم. إلا أنه أكد أن ذلك الاحتمال ضئيل جداً، لكنه موجود، وقد تشهره بعض الجامعات كمفاجأة في وجه القضاء. ووافق إداريون في الجامعة اللبنانية المسؤول الأمني في مقاربته للموضوع، إذ أكدوا أن أرشيف الطلاب موجود في الجامعة، ومحفوظ في أمان، فضلاً عن أنه «ممكنن». يعني ذلك أن ناقوس التحقيق قد يباغت رؤوس طلابها هي الأخرى، وربما أشعل أزمة ثقة بين الطلاب وإداراتهم. لا يتوقف «الناقوس» على الطلاب وحدهم، وخصوصاً بعد تأكيد مصادر متابعة في وزارة التربية أن الأمر سابقة حقيقية. سابقة تطرح سؤالاً لا مفر منه: اليوم جامعات، وغداً المستشفيات؟ المقاهي؟ الصحف؟ هل يمكن أحداً أن يضمن أن المعلومات الشخصية عنه ستكون بأمان بعد تنفيذ قرار كهذا؟ يسأل عدد من الناشطين في مجالات حقوق الإنسان، الذين يخشون التضييق على الحريات العامة عبر تجاوز الخصوصية الفردية للأشخاص.


لا تنفي ولا تؤكد

رفضت الناطقة الإعلامية باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، راضية عاشوري (الصورة)، في حديثٍ مع «الأخبار»، نفي أو تأكيد علاقة المحكمة بطلب النيابة العامة التمييزية اللبنانية التدقيق في سجلات الطلاب اللبنانيين. لكن، من باب التعليق على السجال الدائر في لبنان، نبهت عاشوري إلى «أن آخر شيء تفكر به المحكمة الدولية هو التضييق على الحريات العامة للبنانيين، وأن القاضي بلمار لا يملك النية أو الرغبة بتاتاً في القيام بأمر مشابه. برأيها أن ذلك من شأنه أن يعطي انطباعاً سيئاً عن المحكمة». المهم بالنسبة إلى المحكمة الدولية، وفقاً لعاشوري، هو سلامة التحقيقات والحفاظ على سريتها للوصول إلى النتائج العملية. ومن هذا المنطلق، طلبت عاشوري من الشعب اللبناني تفهم طبيعة عمل المحكمة، والتعامل بمرونة مع عملها، مشيرةً إلى أن التحقيق مع شخص ما، لا يعني بالضرورة أن يكون مشتبهاً فيه. على العكس تماماً، فربما وفّر معلومات معينة للمحكمة. وتبعاً للمتحدثة الرسمية، إن عدم امتلاك الشخص الخاضع للتحقيق أي معلومات قد يكون عاملاً مفيداً أيضاً(!).