خالد صاغيةليس باراك أوباما الرئيس الأميركي الأوّل الذي يحصل على جائزة نوبل للسلام رغم خوضه حرباً أو أكثر في العالم. فقد سبقه إلى ذلك الرئيس وودرو ولسن، صاحب المآثر في أميركا اللاتينية خصوصاً، والرئيس تيودور روزفلت الذي تشهد الفيليبين وكوبا على عاره. وإذا كان الرئيسان السابقان قد نالا الجائزة بعد تحقيقهما إنجازاً: إنشاء عصبة الأمم (التي، للمفارقة، لم تنضمّ إليها الولايات المتحدة الأميركية) في حالة ولسن، وعقد اتفاق سلام بين روسيا واليابان في حالة روزفلت، فإنّ أوباما نال الجائزة نفسها من دون حاجة إلى إنجاز. أو، بالأحرى، إنجاز أوباما ليس إلا أوباما نفسه.
صحيح أنّه يمكن تسجيل إيجابيّات للرئيس الأميركي على صعيد العمل من أجل الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، والتصميم على إغلاق معتقل غوانتنامو، والتخطيط للانسحاب من العراق، ووضعه «السلام» في الشرق الأوسط ضمن أولويّاته، وتفضيل الحلول الدبلوماسيّة عموماً.
لكنّ الصحيح أيضاً أنّ أوباما يستعدّ للتوقيع على زيادة عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان. وقد رفض وقف الحرب والاحتلال في تلك المنطقة رغم توفير الأزمة المالية ذريعة له من أجل ذلك، كاستبدال تكاليف الاحتلال بضخّ الأموال داخل الاقتصاد الأميركي. والصحيح أيضاً أنّه حتّى في الملفّات التي تبنّى فيها موقفاً حمائمياً، لم يحقّق إنجازات، وأنّ خطّته في العراق لا تعني أكثر من ممارسة الهيمنة على بلاد الرافدين بكلفة أقلّ، وأنّ معتقل غوانتنامو لن يُغلَق في الموعد المحدّد، وأنّ سلامه في الشرق الأوسط تحوّل مزيداً من بناء المستوطنات...
إلا أنّ المضيّ في الموازنة بين السلبيات والإيجابيات ليس ذا فائدة كبيرة لتفسير منح أوباما جائزة نوبل. وقد أعلن الأخير في خطابه بعد فوزه بالجائزة أنّه لا يعدّها اعترافاً بإنجازاته الشخصية، بل «تأكيد لزعامة أميركية باسم تطلّعات يتقاسمها البشر من كل الأمم».
لقد قال أوباما نصف الحقيقة. فالأمر لا يتعلّق بتطلّعات يتقاسمها البشر، بل بتطلّعات يتقاسمها الأوروبيّون مع الولايات المتحدة. تطلّعات لا علاقة حتماً للشعب الأفغاني بها. كان لا بدّ لأوروبا من أن تشكر أوباما بطريقة ما. فقد أعاد لها «الأخَ الأكبر» حين استطاع أن يمحو ببراعة وسرعة الصورة البشعة لجورج بوش، وأن يحافظ في الوقت نفسه على إرث هذا الأخير.