كشف معرض «أكشن» Action المنظم من عدد من الطلاب الجامعيين في مدينة النبطية، النقاب عن مواهب شابة أربابها مجموعة يمارسون حِرَفاً، يساعدهم مردودها في تحصيلهم الجامعي، تتويجاً لهواياتهم. ضم المعرض أكثر من مئتي عمل فني متنوع لـ22 طالباً جنوبياً
النبطية ــ كامل جابر
يجتاز الطالب علي شيت (21 عاماً) يومياً مسافة 25 كيلومتراً من بلدته كفركلا إلى النبطية من أجل متابعة تخصصه الجامعي. يعمل علي نجاراً في العطل والآحاد، ما يساعده على تسديد قسطه الجامعي. ولأنّ علي يتقن حرفته كنجّار، أبدع في صناعة نماذجه التي عرضها في معرض Action الذي نظمه مع عدد من رفاقه وطلاب السنوات الثلاث التخصصية في «الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم» (AUCE).
قبل الجامعة درس علي إدارة الأعمال المهنية وكاد أن يترك الدراسة بعدما فقد والده منشرته خلال عدوان تموز 2006، «لكن عدت وفكرت بالتخصّص بالرغم من تكلفته الباهظة لما سيمنحني من خبرة علمية وتخصصية».
بعد إصابتها خلال حرب تموز 2006 وفقدانها أسرتها قررت شيرين أحمد حمزة تكريس ميولها العلمية في اتجاه الإبداع الفني، فالتحقت بالجامعة. في المعرض، قدمت شيرين نحو أربعين عملاً مختلفاً، «أهديتها إلى أرواح من فقدتهم». تركزت نماذجها على أعمال الغرافيك والكومبيوتر. «بدأت أقدم أعمالاً ذات مردود مادي»، تقول شيرين مستشهدة بمجموعة من المنتجات الغذائية التي أعدت لها تصميماتها الإعلانية. إلى جانب تخصص حسام فهد في الرسم والتصوير والتصميم والتخطيط، يدرّس زملاءه مادة التصوير. لذلك قدّم في جزء من المعرض مجموعة من صوره. «هي لقطات خارجة على المألوف واعتمدت فيها على تكتيك الإضاءة والنور والمواضيع الصامتة التي تظهر بجدارة المنحى الفني من التصوير»، يقول حسام. يعمل حسام على الوجوه «لكن خارج التفصيل». وهو اختار التخصص للمزيد من الخبرة والدراسة المعمقة.
ويحضّر حسام لكتاب عن التصوير هو مشروع تخرجه الجامعي تحت عنوان «العلاقة بين التصوير والمفهوم». ويمثّل معرض الجامعة الإطلالة الأولى له، إذ يشارك في أكثر من ثلاثين عملاً. أما مخصصات الجامعة المالية فقد أمّنها من استديو تصوير له في ساحة مدينة النبطية.
من جهته، يعمل محمد جابر (19 سنة) في معمل لصناعة الحلويات، وما يدخره من عمله يدفعه للجامعة ليؤمن قسط تخصصه في التجميل الداخلي. «أنهض أحياناً قبل الخامسة صباحاً لألتحق بالمعمل ثم آتي بعدها إلى الجامعة. هي سنتي الأولى وهذا لم يمنعني من المشاركة في المعرض بتجارب من التخطيط الداخلي والرسم المعماري والرسم الفني»، يقول.
إلى جانب إشراف أستاذة الرسم والخط فدوى زبيب تتولى مي سعادة الإشراف على أجزاء من المعرض ومتابعة أمور الطلاب. «لقد توزعت أعمال المعرض بين طلبة السنوات الجامعية، لكن لطلاب السنة الثالثة حصة الأسد»، تقول وتضيف أنّه بسبب عدد الطلاب المحدود «تتم الدراسة وتنفيذ الأعمال بجو أسري». أما تسمية «أكشن» Action فتعزوها سعادة إلى «قرار الطلاب الذين اجتمعوا وتباحثوا، ثم قرروا هذه التسمية، لأنّها بحد ذاتها نشاط وعمل». أما حسام فهد فيبرر أنّها الكلمة التي تبدأ بها عملية التصوير، أي بدء اللحظة، و«لأننا نعتبر معرضنا بمثابة بدء اللحظة، أطلقنا هذه التسمية».
شاركت صفاء بدر الدين من النبطية بجزء كبير من أعمال الرسم، بيد أنها لم تستطع حضور المعرض لأنها اضطرت إلى السفر؛ ويتحدث رفاقها عن أنّها بدأت تتجه نحو احتراف الرسم الفني. أما رفيقهم الذي غاب عن لقاء «الأخبار» فهو محمد حمّادي الذي يعمل دهّاناً للأبنية والمنازل «ولم يحضر بسبب ارتباطه بورشة في المنطقة».


المعاناة دافعاً للإبداع

فقدت شيرين حمزة (الصورة) والديها وشقيقها خلال غارة إسرائيلية على منزل عائلتها في النبطية الفوقا خلال عدوان تموز 2006؛ وانتُشلت حية من تحت الركام بعد نحو ساعتين، قررت بعدها متابعة تحصيلها الجامعي وتخصصت بالغرافيك. أكثر عمل أحبته هو غلاف كتاب تحت عنوان «دموعي». على الغلاف الأخير كتبت شيرين «خسرت أهلي في 23 تموز 2006؛ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؛ لتكن آلامنا درساً يعزز خبراتنا». محتوى الكتاب رواية اللحظات الأخيرة التي سبقت تدمير الطائرات الإسرائيلية وتلك التي مرت بين الغارة الأولى والثانية المنزل، حين كانت والدتها لا تزال تخاطبها من تحت الأنقاض وتطمئنها، فيما ظل والدها يردد عبارة «يا الله» قبل أن يستشهدا في الغارة الثانية.