Strong>محمد أحمد علي المخلافي *في ظل المخاطر الكارثيّة المحدقة باليمن، ومنها القضية الجنوبية وحرب صعدة وانسداد الأفق السياسي والأزمة الاقتصادية، أطلقت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، في السابع من أيلول/ سبتمبر «مشروع رؤية للإنقاذ الوطني»، وهو مشروع يمثل أساساً للتغيير وعقداً اجتماعياً جديداً من وجهة نظر أحزاب المعارضة في «اللقاء المشترك»، وحلفائهم من القوى السياسية والاجتماعية المنضوية في اللجنة التحضيرية، كنواة لكتلة تاريخية من أجل التغيير حسب الوثائق الصادرة عن هذه الهيئة السياسية ــــ الاجتماعية.
ترى الوثيقة أنّ هذا المشروع، المطروح على السلطة والمعارضة المسلّحة والسلميّة (ويشمل ذلك قيادة الحراك الجنوبي والحوثيين والمعارضة في الخارج) يمثّل الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد والحيلولة «دون صيرورة الأزمة الأخيرة إلى مآلاتها الكارثية». لأنه «ما من سبيل للتصدي للأزمة، وإنقاذ الوطن وإخراجه من دوامته المستحكمة، إلا بحشد الطاقات والجهود الوطنية وتعبئتها وتكتيلها، ليشمل الجميع، ويمثل رافعة تغيير سلمي وإنقاذ وطني... وصولاً إلى عقد اجتماعي جديد يؤسس لقيام دولة يمنية حديثة». وترى الوثيقة أن من بين الأسباب التي أوصلت اليمن إلى هذه الأزمة الشاملة ومخاطر الانهيار، غياب دولة القانون بفعل نتائج حرب 1994، وتركيز السلطة بيد رئيس الدولة، والحكم العائلي، ومسعى توريث الحكم. ومن ثم لم تعد الإصلاحات الجزئية مجدية لإنقاذ الأوضاع، بل يتطلب الإنقاذ تغييراً شاملاً، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وثقافياً، من خلال عقد اجتماعي جديد، والمدخل إلى ذلك حل القضية الجنوبية، وإزالة أسباب حرب صعدة، وإحداث تغيير على شكل الدولة والنظام السياسي.
فانطلاقاً ممّا تمثّله القضية الجنوبية، ودخول أطراف إلى الحراك الجنوبي، أوجدت، إلى جانب الحراك السلمي، حراكاً مسلّحاً تلوّح به قيادة القاعدة القديمة ممثلة بحفيد السلطان الفضلي، وهذا يعبر عن نزوع إلى العودة إلى ما قبل الدولة إجمالاً على أساس أن قيادة القاعدة الحالية ليس لديها من سبيل للتعبير عن نفسها غير العنف... انطلاقاً من ذلك، طرحت الوثيقة رؤية للمعالجات الإنقاذية العاجلة لوقف الانهيار، ومن ذلك، تهيئة الأجواء والمناخات السياسية للمصالحة والوفاق الوطني.
وقد أخذت الوثيقة في الاعتبار «المبادرات والرؤى السياسية الجادة المطروحة على الساحة السياسية، من مختلف القوى والشخصيات والفعاليات السياسية والاجتماعية...، بشأن إنقاذ البلاد». لكنها بصورة مباشرة قامت على الأسس المطروحة في «مشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني» وطوّرتها لاستيعاب المستجدات، وخاصة وصول مطالب قوى جنوبية فاعلة إلى الدعوة الصريحة للانفصال، واتساع رقعة الحرب في صعدة وعمران، وانسداد أفق العمل السياسي في البلاد، وتوقف كل حوار بين السلطة والمعارضة، بل توقف العملية الديموقراطية بصورة كلية بعد اتفاق 23شباط/ فبراير 2009 بين السلطة واللقاء المشترك، الذي قضى بإيقاف الانتخابات لمدة عامين على أن يجري خلال هذه الفترة إصلاح دستوري لتطوير النظام السياسي والانتخابي، على أساس فقدان السلطة كل شرعية خارج الوفاق الوطني... بفعل هذه المستجدات كلها، اعتبرت هذه الوثيقة التغيير السلمي واجباً وحقاً للمواطنين، ورفضت العنف وتبنّت لامركزية الحكم بما يحقق الشراكة في السلطة والثروة، وإنهاء تمركزهما في العاصمة وبيد رئيس الدولة.
وعلى هذا الأساس اقترحت الوثيقة، كواحد من الخيارات، تغيير شكل الدولة من الدولة البسيطة إلى دولة اتحادية ــــ فدرالية، لمواجهة خطر تقسيم البلاد والحفاظ على وحدتها. ويعوَّل على أن الدولة الفدرالية ستقدم حلاً لحالة الانقسام الجهوي، إذ إن الرؤى المختلفة ترجع جوهر الأزمة اليمنية إلى احتكار السلطة والثروة عبر مركزية الحكم وتركيز السلطة ومنع إقامة مشروع الوحدة وبناء دولة القانون على قاعدة الشراكة الوطنية، وهي كلها خصائص عززتها نتائج حرب 1994 ضد القسم الجنوبي من البلاد. وقد جعل ذلك من الدولة البسيطة رمزاً لهذه الأزمة، كما كشفت التجربة أن هذا الشكل من الدولة قد ساعد على تكريس تركيز السلطة بيد الرئيس وفي العاصمة صنعاء، وأنه بسبب التطورات الحالية في القضية الجنوبية وحرب صعدة، لم يعد مجدياً إحداث حلول جزئية، كإزالة نتائج حرب 1994 وآثارها وإقامة حكم محلي، بل صار الخروج من الأزمة البنيوية يتطلب التغيير، وفي المقدمة الانتقال إلى الاتحاد الفدرالي، وانتقال السلطة سلمياً، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، بما يحقق الشراكة الكاملة للجنوب ومصالح اليمنيين جميعاً بمختلف انتماءاتهم الجهوية والاجتماعية طبقاً لمبدأ المواطنة المتساوية.
تمثل هذه المبادرة فرصة أخيرة لمنع حدوث الكارثة وللتغيير السلمي. غير أنها تتطلب وفاقاً وطنياً عبر مصالحة وطنية شاملة، الأمر الذي يتطلب قبول السلطة والحوثيين وجماعة الحراك المسلح في الجنوب الانخراط في المشروع الوطني للإنقاذ الذي تطرحه هذه المبادرة. وقد حان الوقت، ولعله تأخر، لكي تدرك القوى الإقليمية والدولية أن إنقاذ اليمن ليس مهمة كل أبنائه فحسب، بل مهمة الأسرة الدولية، وفي المقدمة دول الإقليم، إذ إن انزلاق اليمن إلى الفوضى والحروب لا بد أن يزعزع الأمن والاستقرار في الدول المجاورة خصوصاً، وعلى السعودية وإيران أن تدركا ذلك الخطر قبل غيرهما، وأن تعملا على مساعدة اليمن للخروج من أزمته عبر حمل السلطة والمعارضة المسلحة في الشمال والجنوب على القبول بالانخراط في هذا المشروع الوطني للإنقاذ.
* محام وعضو قيادة «اللقاء المشترك» و«لجنة الحوار الوطني» في اليمن