مؤسسات بيع أدوات الصيد في البقاع لم يصبها الركود الذي طال منذ سنوات مختلف قطاعات الحياة في تلك المحافظة، يحتل عناصر القوى الأمنية الرسمية طليعة الزبائن والصيادين الذين ينتشرون في طول البقاع وعرضه منذ ساعات الفجر الأولى.
البقاع ــ عفيف دياب
يدخل ضابط برتبة نقيب في قوى الأمن الداخلي إلى مؤسسة لبيع أسلحة الصيد والخرطوش في شتورة، بعد أن يركن سيارته العسكرية أمام المؤسسة. يطلب بندقية، يتفحصها ويسأل عن بعض مواصفاتها التقنية وسعرها، ثم يستفسر عن بنادق أخرى، وما إذا «كان هنالك من جديد في السوق»... تمر لحظات، ثم يدخل أحد عناصر قوى الأمن الداخلي ويقدم التحية للضابط الذي لا يكترث كثيراً له. يطلب العنصر كمية من الخرطوش، وبعد أن ينقد صاحب المؤسسة ثمنها، يستوقفه الضابط سائلاً عن أفضل منطقة بقاعية لقنص طيور الفري والترغل. ينهي الضابط مساومته ويشتري البندقية مع كمية كبيرة من علب الخرطوش. يغادر ليدخل من بعده أحد الرتباء في الجيش اللبناني مع 4 من رفاقه العسكريين يستقلون سيارة جيب عسكرية، فيما يدخل إلى محل مجاور أحد ضباط مغاوير البحر ليخرج محملاً بعلب الخرطوش ويضعها في السيارة العسكرية المخصصة له أيضاً... قبل أن يهم بالمغادرة مع مرافقيه، تتوقف 3 سيارات جيب عسكرية، يتوزع ركابها على محلين مجاورين لبيع أسلحة الصيد والخرطوش، ليخرجوا بعد دقائق محملين بصناديق وعلب الخرطوش التي توضع بدورها في السيارات العسكرية.
هذه المشاهد تتكرر يومياً أمام مؤسسات بيع أسلحة صيد الطيور البرية وخرطوشها في البقاع، وذلك منذ شهر أيلول الماضي، وقد تستمر حتى شباط المقبل. وهي تلفت إلى أن عناصر القوى الأمنية والعسكرية الرسمية هم في طليعة الزبائن الذين يشترون أسلحة الصيد والخرطوش في لبنان، ومن ثم يحل المدنيون في المرتبة الثانية، ومن ضمنهم موظفون في مختلف مؤسسات الدولة.
يقول صاحب مؤسسة بيع بنادق الصيد وخرطوشها في البقاع إن «أغلبية زبائننا هم من الدرك والجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، وكما ترى كل العسكر يشترون أسلحة الصيد والخرطوش»، ويضيف «مؤسستنا مرخصة وقانونية، ونحن لا يحق لنا الطلب من الزبون إبراز رخصة حمل سلاح صيد أو رخصة اصطياد الطيور البرية، فهذا الأمر من مهمات السلطات المعنية، كل ما نقدمه للزبون فاتورة شراء بندقية صيد ونوعها ليقدمها بدوره مع مستندات أخرى فينال ترخيصاً بحمل البندقية من السلطات المختصة في المحافظة، التي تصدر عن المحافظ (أو القائمقام في بعض الأحيان)، إضافة إلى أنه يجدر بالصياد أن يحمل رخصة لصيد الطيور». ونسأل «لكن ضابط قوى الأمن الذي غادر منذ قليل لم يطلب منك فاتورة بالبندقية التي اشتراها؟»، يجيب صاحب المحل «هو ضابط... مين بدو يحكي معو أو يوقفه»!
منظم حفلات صيد يسأل: هؤلاء يحكمون البلد مين بدو يحكي معهن؟
عدم التزام عناصر من القوى الأمنية والعسكرية الرسمية، من مختلف الفئات أو الوحدات، بتطبيق القانون في ما يتعلق بتراخيص أسلحة الصيد، ورخص الصيد، يبدو ترجمة للقول الشعبي بأن «القاضي لا يقاضي أو يحاكم نفسه». قوى الأمن مولجة بالسهر على تطبيق القوانين، ومصادرة بندقية كل من لا يحمل رخصة سلاح صيد أو رخصة اصطياد الطيور، وتنظيم محاضر ضبط بالمخالفين. لكن يبدو بعض رجال قوى الأمن وكأنهم مصرّين على مخالفة لهذا الجانب من القوانين المرعية الإجراء في لبنان.
رداً على سؤال «الأخبار» عن سر عدم تطبيق القانون على العناصر الأمنية والعسكرية وبعض كبار القوم، يقول ضابط سابق متقاعد من قوى الأمن الداخلي في البقاع «تطبيق القانون؟ إنه سر الأسرار. هل تعلم أن كبار ضباط المؤسسات الأمنية والعسكرية في لبنان هم في طليعة المخالفين لقوانين حمل أسلحة الصيد واصطياد الطيور البرية؟ فكيف تريد لدورية من قوى الأمن الداخلي أن توقف صياداً لا يحمل رخصة بندقية صيد إذا كان الصياد ضابطاً أو زميلاً في السلك. هناك قوانين مرعية الإجراء في ما يتعلق بالصيد، وجميعنا يعرفها ونخالفها لأنه لا يمكن ضابطاً أن ينظم محضر مخالفة بحق زميل له، وهذه الحال يطبقها أيضاً العناصر من رتب أدنى على زملاء لهم. فالقوى الأمنية عموماً لا تنظم محاضر مخالفات يرتكبها أبناء السلك. هل سمعت أو شاهدت شرطي سير، على سبيل المثال، ينظم محضر مخالفة بزميل له؟ الأمر ينسحب على المخالفات الأخرى التي يرتكبها عناصر القوى الأمنية والعسكرية».
كلام الضابط السابق يخالفه أحد الضباط في الخدمة، ويقول: «من غير المسموح لعناصر قوى الأمن مخالفة القوانين، فنحن لا نميز بين مواطن مدني وعسكري في حال ضبط من يحمل بندقية صيد غير مرخصة، أو لا يحمل رخصة قنص الطيور البرية». يبرز الضابط رخصة حمل بندقية صيد باسمه الشخصي، إضافة إلى رخصة اصطياد الطيور، ويقول: «معظمنا يلتزم بتطبيق القانون، وليس صحيحاً أن القوى الأمنية تخالف هذه الإجراء». هل تستطيع مصادرة بندقية صيد من زميل لك لا يحمل رخصة؟ يضحك الضابط ويقول: «ماشي الحال».
ترفض دوائر سرايا زحلة الحكومية الكشف عن عدد الرخص الصادرة من محافظ البقاع، ويقول أحد المتابعين: «لا نملك إحصاءات عن عدد الرخص الصادرة بحمل بنادق صيد، ولكن الإقبال ليس كبيراً، ولا أعتقد أن عناصر الأجهزة الأمنية تتقدم بالحصول على رخصة صيد، فهم ليسوا في حاجة إليها أصلاً، إذ يكفي أن يبرز العنصر بطاقته العسكرية حتى يغض رفيقه المولج بتطبيق القانون الطرف عن مخالفته. أما الذين يتقدمون بطلبات الحصول على تراخيص بنادق صيد فجلّهم من المدنيين. أما العسكر والنواب والوزراء والقضاة فلا يكترثون لهذا الأمر، فمن يملك السلطة حتى يصادر بنادقهم أو ينظّم محاضر بمخالفتهم القانون»؟
من يملك السلطة لقمع المخالفين من السلطات الأمنية لقانون حمل بنادق الصيد والاصطياد؟ مواطن في البقاع الغربي يعمل على تنظيم «حفلات» الصيد في المنطقة، يجيب عن السؤال بأن زوار حقله في سهل البقاع الجنوبي هم من كبار الضباط والشخصيات السياسية والقضائية، ويضيف «قبل أيام تلقيت اتصالاً هاتفياً من ضابط كبير في قوى الأمن الداخلي يحدد لي موعد زيارته للصيد. جهزت له كل المطلوب مني، وحين وصل كان مع مجموعة كبيرة من مرافقيه، شارك بعضهم في الصيد فيما البعض الآخر كان مولجاً بالحماية الأمنية للضابط ولرفاقه»، يتابع المواطن الغربي «أجهّز يومياً متطلبات الصيد لمختلف الزوار من كبار الضباط والقضاة، إضافة إلى نواب ووزراء وفنانين ومقدمي برامج تلفزيونية، وأعتقد أن معظمهم لا يملك رخصة حمل بندقية صيد أو رخصة اصطياد الطيور البرية». ويختم «هؤلاء يحكمون البلد مين بدو يحكي معهن»!


لم يُطبّق قانون 2004

طوني عفيش صاحب مؤسسة لبيع أسلحة الصيد والخرطوش في شتورة، يقول إن قانون الصيد البري في لبنان، الصادر سنة 2004 ولم يعمل به حتى الآن بانتظار صدور المراسيم التطبيقية، يلزم الصياد بحيازته رخصة صيد صادرة عن وزارة البيئة (المادة السادسة من القانون المذكور) مستندة إلى: رخصة قانونية بحمل السلاح صادرة من وزارة الدفاع لأسلحة الفئة الرابعة (صيد الطرائد الموبرة)، ومن وزارة الداخلية والبلديات لأسلحة الفئة الخامسة (صيد الطيور البرية)، وبوليصة تأمين ضد الغير (خاصة بضمان الأضرار التي قد تلحق بالغير جراء ممارسة الصيد).
يضيف عفيش أن «مجلس النواب أقر قانون الصيد، ومراسيمه التطبيقية لم تصدر بعد، وبالتالي على الصياد أن يتقدم بطلب الحصول على رخصة اصطياد الطيور وحمل بندقية صيد إلى المحافظ بانتظار صدور مراسيم تطبيق القانون». يعرب عفيش عن اعتقاده أن أغلبية عناصر مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية في لبنان يلتزمون بتطبيق القانون و«يحوزون رخص حمل أسلحة الصيد واصطياد الطيور، ولا أعتقد أن أحداً منهم يخالف هذا الإجراء إلا ما ندر».