خالد صاغيةحصدت جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام اهتماماً أكبر من المعتاد، لكونها المرّة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لامرأة. فقد تشاركت إلينور أوستروم التكريم مع أوليفر وليامسون. إلا أنّ ما يستدعي اهتماماً أكبر هو منح الجائزة عن أبحاث تهزّ مسلّمات في «علم» الاقتصاد. والمعروف أنّ «نوبل الاقتصاد» تختلف عن سائر أخواتها من جوائز نوبل بكونها لا تمنَحها لجان مختصّة، بل المصرف السويدي. لذلك، يندر أن يحصل عالم اقتصاد على هذه الجائزة ما لم تكن أبحاثه تصبّ في خدمة النظام القائم، وتندرج أبحاثه ضمن الأدبيات السائدة. إلا أنّ الأزمة المالية العالمية استوجبت التفتيش عمّن خرجت أبحاثهم عن المسلّمات السائدة.
ولعلّ المأساة الاقتصادية التي يعيشها العالم منذ عقود تندرج ضمن حصر التفكير الاقتصادي بثنائية السوق والدولة. ففيما يتباهى أنصار السوق بقدرة «اليد الخفيّة» على تنظيم كلّ شيء على أحسن ما يرام شرط عدم تدخّل الدولة، يردّ أنصار التخطيط والتنظيم بأنّه لا بد للدولة من أن تتدخّل من أجل حسن سير الأمور، ومن أجل ضمان عدالة في التوزيع. وقد تكون النهاية التراجيديّة للأنظمة المسمّاة اشتراكيّة تكمن في إحلال الدولة مكان السوق، ليس إلا. فهي تشاركت مع الأنظمة الرأسمالية في استغلال العمّال، وفي المسلّمة الضمنيّة بضرورة التدخّل القسري من أجل تنظيم شؤون البشر. وفي هذا المجال، لم تختلف كثيراً العذابات الناجمة عن سلطان السوق وعن سلطان الدولة، إذ تطلّب كلاهما قرابين من لحم البشر من أجل النموّ والتقدّم.
لقد بحثت أوستروم في مجالات الملكيات المشتركة، من مرافئ الصيد إلى الغابات وصولاً إلى المشاكل العالمية الأكثر تعقيداً كشحّ المياه والتغيّر المناخي. وتراوحت أراضي أبحاثها من كينيا وأوغندا إلى تنزانيا وبوليفيا والمكسيك والنيبال. وفي كلّ هذه المجالات، حاولت أوستروم أن تثبت أنّ السوق والدولة تتشاركان الفشل نفسه في إدارة هذه الموارد المشتركة، وأنّ المجتمعات المحلية غالباً ما تتمكّن من ابتكار آليّات مفاجئة لإدارة هذه الموارد المشتركة. فـ«ما أهملناه»، تقول أوستروم، هو «ما يمكن المواطنين أن يفعلوه، وأهمية انخراط الناس المعنيّين في صنع القرار، بدلاً من أن يُترَك الأمر لأحد ما في واشنطن...».
قد لا ينطبق هذا الأمر على الموارد المشتركة وحسب، وخصوصاً بعدما تبيّنت النتائج الكارثيّة لمشاريع صُنِّفت على أنّها تنموية، وفرضتها الدولة أو السوق. ليست المشكلة في ما إذا كانت المنافسة في السوق أفضل من تدخّل الدولة، أو العكس. المشكلة هي أنّ التركيز على المنافسة بين اللاعبين الاقتصاديين، غالباً ما ينسينا مبدأ «التعاون» بين المواطنين المعنيّين. ولعلّ هذا ما أرادت أوستروم تذكيرنا به.