بدأت قصة منال وعلاء على الإنترنت. ففيما كان هو في إسبانيا، كانت هي في الجولان المحتل. التقيا في تركيا، وهربا منها إلى سوريا بطريقة غير شرعية، قبل أن تقبض عليهما القوى الأمنية اللبنانية، بعد الاشتباه في تعاملهما مع العدو الإسرائيلي
رضوان مرتضى
علاء ومنال أحبّ كلّ منهما الآخر على الإنترنت. قد يبدو الخبر في بدايته تكراراً لحوادث مشابهة كثيرة. لكن ليس في حالة علاء ومنال. كان الشاب في إسبانيا، أما حبيبته فمن مكان بعيد: من الجولان، ترزح مع عائلتها تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي. لكنّ حبّهما بدأ يكبر شيئاً فشيئاً، رغم أنه بدأ إلكترونياً. وصل الأمر بهما إلى حدّ أنهما قررا الزواج. حالت مشاكل عائلية دون ذلك، فعلاء ومنال من مذهبين دينيين مختلفين. لكنّهما لم يستسلما. اتفقا على أن تتزوج منال من ابن خالها، ثم تقصد تركيا لقضاء شهر العسل، واتفقا على أن يوافيها حبيبها علاء هناك. كان المخطط مرتباً بدقة، فيما لم يتضح من الوقائع التي سردتها محكمة الجنايات في جبل لبنان إن كان ابن خال منال على علمٍ بالمخطط، أو أنه وقع ضحية «الغرام الإلكتروني» بين ابنة عمته والشاب العربي المقيم في إسبانيا.
سارت الخطة وفق المخطط تماماً. تزوّجت منال بابن خالها وسافرت برفقته إلى تركيا. هناك، تركت زوجها، لتلتقي علاء بشغف، في أحد الفنادق التركية، ثم هربت معه إلى سوريا. كان دخولهما إلى سوريا غير شرعي هو الآخر. تسلّلا إلى البلاد، وبدأت تلاحقهما المشاكل. لم يجدا مكاناً يقيمان فيه. وواجهتهما المشاكل بسبب كون منال من أهالي الجولان السوري المحتل، الأمر الذي صعّب عليها التنقل داخل الأراضي السورية، كما أكد علاء في إفادته أمام القضاء اللبنانية. وكانت الصعوبات المذكورة هي السبب الأساس في انتقال العشيقين من سوريا إلى لبنان، وبالطريقة ذاتها طبعاً، أي بطريقة غير شرعية.
وفي لبنان، اكتُشف أمر دخولهما غير الشرعي. أوقفت مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني علاء ومنال. أما السبب؟ فلم يكن دخولهما إلى الأراضي اللبنانية من دون تصريح، بل كان للاشتباه في تعاملهما مع العدو الإسرائيلي. فعند تفتيشهما من قبل المحققين اللبنانيين في الجيش، عثرت الدورية في حوزة الأول على مستندات لبنانية مزورة، هي عبارة عن بيان قيد عائلي وإفرادي (إخراج قيد) وسجل عدلي وجواز سفر وبطاقة ائتمان. كانت الأوراق جميعها مزوّرة، إضافة إلى إيصال لطلب الحصول على بطاقة هوية لبنانية، فضلاً عن دفتر ملكية سيارة من نوع هوندا. كذلك عثرت في حوزة منال على مستندات شخصية صادرة عن السلطات الإسرائيلية، تفيد بكونها ولدت وعاشت في الجولان السوري المحتل، لكنّ الأوراق الإسرائيلية دفعت المحققين اللبنانيين إلى الاشتباه فيها. وأثناء التحقيق من قبل عناصر الشرطة العسكرية، أكد علاء أنه كان قد تعرّف إلى منال عبر الإنترنت، وعلم أنها مقيمة في الجولان السوري المحتل، وذلك خلال وجوده في إسبانيا. وذكر علاء أن علاقته توطّدت بها إلى حين قررا الزواج.

تركت منال زوجها في تركيا وهربت مع عشيقها علاء إلى سوريا
وأشار علاء إلى أنه بسبب عدم حيازته أي أوراق قانونية، وبالتالي غياب أوراق الإقامة، لم يكن في إمكانه الحصول على عمل. ولم توضح المعطيات القضائية كيفية حصوله على الإقامة في إسبانيا، أو تشير إلى أن إقامته هناك لم تكن شرعية هي الأخرى. وفي لبنان، عرض مشكلته على نادر (اسم مستعار) الذي يُعرف بـ«أبو هشام»، الذي عرّفه بدوره إلى عماد (اسم مستعار) الملقّب بـ«أبو معروف». حينها، زوّده الأخير ببيان قيد إفرادي لبناني يحمل صورته، لكن الاسم الذي عليه هو اسم ابنه المتوفى غسان. كانت التكلفة 3000 دولار أميركي. لكن الأمر لم ينته هنا، فقد تمكن علاء من الحصول على بيان قيد إفرادي وعائلي مزوّرين، ثم استعملهما للاستحصال على جواز سفر لبناني وبيان سجل عدلي. ولم يكتف بذلك، بل تقدم بطلب للحصول على هوية لبنانية.
في الإطار عينه، اعترفت منال أمام المحكمة بأنها من أهالي الجولان السوري المحتل. كذلك أقرّت بأنها تركت زوجها في تركيا، وهربت مع علاء إلى سوريا ثم لبنان. كان حبّها له قوياً. وذكرت منال أنها كانت على علم بأن عشيقها الإلكتروني يستعمل مستندات مزورة مكّنته من الإقامة والعمل. وأوضحت أن المستندات التي ضُبطت في حوزتها، صادرة عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان حيث كانت تقيم.
وتقرّر وفقاً لمطالعة قاضي التحقيق في جبل لبنان، الرئيس محمد بدران، اعتبار فعل المدّعى عليه علاء من نوع الجناية المنصوص عنها في المادة 459 و 454/459 من قانون العقوبات، وتقرر الظن به بموجب أحكام المواد 463 و454/463 و471 و454/471 و464 و454/464 و469 من قانون العقوبات و32 من قانون الأجانب. كذلك تقرر الظن بالمدّعى عليها منال بموجب أحكام المادة 32 أجانب، والظن بالمدّعى عليه عماد بموجب أحكام المادتين 463 و454/463 من قانون العقوبات.


عن الجولانيّين

تتشابك الطبيعة الجغرافية للجولان السوري المحتل، فيصل لبنان وسوريا وفلسطين بعضها ببعض، علماًَ بأن مساحة الهضبة تبلغ 12000 كلم مربّع، وقد احتلّها العدوّ الإسرائيلي بعد حرب عام 1967. وعادت قضية قرية الغجر الواقعة على المثلّث الحدودي اللبناني ـــــ السوري ـــــ الفلسطيني إلى واجهة الأحداث أخيراً، بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان إلى القرية، في شهر آب الماضي، وأكد ليبرمان في تصريح له عن منطقة الغجر، حينها أنها إذا “أُعيدت كجزء من صفقة مع سوريا (تشمل الجولان)، فهذا مقبول، لكن لا نريد أن نتحمّل معاناة تسليمنا إلى اللبنانيين. سنكون لاجئين هناك”، ما يدلّ على حساسية المنطقة إجمالاً (الجولان) وصعوبة الدخول إليها والخروج منها.


«طيارة من ورق»

حاز فيلم المخرجة اللبنانية الراحلة، رندا الشهال، “طيارة من ورق» (٢٠٠٣) على جائزة الأسد الفضّي في «مهرجان البندقيّة/ فينيسيا». حاول الفيلم أن يضيء على إحدى مفارقات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال عرضه لحياة قرية في الجولان نصفها محتلّ، ونصفها حر، وترزح تحت عبء التقاليد التي تصادر حريّة المرأة. تجتاز الفتاة في الفيلم الحدود أوّل مرّة بملابس العرس لملاقاة زوج لا تعرفه على الضفّة الأخرى. كانت تحب جندياً إسرائيلياً، ولا تريد البقاء مع زوجها. ترك الفيلم الحرية للمشاهد لاختيار النهاية التي يرغب فيها، فاختفت لميا (فلافيا بشارة) خلف الشريط الشائك. كان حبهما واقعياً في الفيلم، لكن في القصة التي انتهت هنا في لبنان، بدأت علاقة منال وعلاء عبر الإنترنت، وانتهت في المحاكم المحلية.