حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

إذا كانت إسرائيل، من خلال الشريط الذي وزّعته باعتباره فيلماً التقطته إحدى طائراتها عن نقل حزب الله أسلحة من داخل المبنى الذي حصل فيه الانفجار في بلدة طيرفلسيه، قد تسللت إلى الوعي اللبناني مصيبةً خلايا التصديق والتكذيب فيه، فإن الصحافيين اللبنانيين هم من أدخلها إلى الكَرْم. والسبب، بمعزل عن لغة التخوين، هو أولاً الفساد المهني المستشري، سواء أكان انحيازاً سياسياًَ أم بلادة وقصوراً ناتجين، في الغالب، من دخول غير المؤهلين (مهنياً لا أكاديمياً) إلى المؤسسات الإعلامية، ومن ابتعاد العديد من المؤسسات الإعلامية عن «التقاليد» المهنية وعلومها لمصلحة الخطاب السياسي والتحريض.
لكن، في الوقت عينه، ليست القوى السياسية والأمنية الممسكة بالسلطة السياسية والميدانية بريئة. فهذه، على أنواعها، لا تتردد في السعي إلى توجيه الإعلام وجعله يعمل في مشاريعها الاستراتيجية وأهدافها الآنية. ولا أحد يقصّر، كل بحسب قدرته. وحزب الله الذي شنّ الهجوم على وسائل الإعلام التي «عرضت الشريط الإسرائيلي مسلّمة بصدقه»، من تلك القوى التي تحاول دائماً تقطير المعلومات وطبخها وفق مزاجها وأولوياتها.
صحيح أن دور وسائل الإعلام هو الإحاطة بالجوانب المختلفة لأي خبر أو معلومة تصل إليها، وهذا ما لم تفعله بعض الوسائل التي تلقفت الشريط الإسرائيلي وبثته أو نشرت نبأه. إلا أن السؤال هنا: هل حزب الله يساعد تلك الوسائل ويتعامل معها بإيجابية وشفافية؟
وعلى الرغم من ذلك، هذا لا يُعفي وسائل الإعلام من دورها في التقصّي والقصور، أو في صوغ الخبر من دون الانبهار بالخطاب الإسرائيلي والانسياب معه، مثلما فعلت غير وسيلة إعلامية أمّنت نفسها وسارت في «منطقة محايدة»، حين عرضت الشريط كمادة إسرائيلية وتحدثت عن مضمونه كبعد واحد في الصورة، ما يفتح الباب أمام حزب الله لتوضيح رأيه في الأمر.
فمع أن حزب الله ردّ على الشريط بشريط تحقيقي واستقصائي من إنتاجه الخاص، إلا أنه أسهم بتأخره 24 ساعة في ذاك الارتباك، بقدر ما أسهم في تسليط الضوء على مشكل بات بنيوياً في مهنة الإعلام ومؤسساتها المتعددة، الأجنبية والرسمية، ومنها الوكالة الوطنية للإعلام التي تبنت الشريط الإسرائيلي وخصصت له المكان والوقت من دون التوجه إلى الجهة الأخرى، القريبة، والوقوف عند رأيها. علماً بأن هذه الوكالة الرسمية «تمتاز» بأعلى نسبة توظيف بواسطة حليف حزب الله، حركة أمل، ولديها من المراسلين العدد الأعلى في لبنان، حتى الفيض، في منطقة الجنوب حيث طيرفلسيه.
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه، هو: لماذا لم يتحرك حزب الله مع الإعلام اللبناني بسرعة وشفافية للرد على الشريط الإسرائيلي؟ ليس المقصود هنا أن حزب الله تأخر، فالميدان له حساباته وآلياته، لكن هل حزب الله، أو إعلامه، على علاقة شفافة ومنفتحة مع وسائل الإعلام والعاملين فيها، ما يُسهم في حوار وتواصل دائمين من دون العمل لفرض أجندته السياسية وشيفرته الأمنية؟
الجواب، وفق المعلومات، ليس إيجابياً. فإعلام حزب الله منفتح و«كريم» فقط مع البعض الإيجابي معه. وغالباً ما تنقطع أي علاقة مع صحافي يزيح عن الخط المرسوم ولو في الرأس والحسابات. والحملة التي افتتحها على الإعلام الذي بثّ الشريط الإسرائيلي، عقب «إنجازه» شريطه الخاص توحي كأنه في شريطه يرد على الإعلام ذاك، لا على إسرائيل وشريطها.
ما ارتكبته وسائل الإعلام تتفاوت نسبته إلى الخطأ... بين التقصير والتلقي الأعمى والرغبة في البثّ والنشر من دون تحقيق واستقصاء وتوسّع وإفساح في المجال لحزب الله في قول ما لديه. لكن، هل كان حزب الله يتجاوب بشفافية وسرعة مع أي سؤال سيوجه إليه، أم سيدعو السائل إلى انتظار رده في الشريط؟
الغريب، أن حزب الله يستفرد الإعلام، فيما لم تتلقف القوى السياسية المناهضة لحزب الله الانفجار والرواية الإسرائيلية له. والأكثر غرابة أن حزب الله، الذي يغتنم غياب الغطاء السياسي للإعلام ذاك، لم يبقِ كلامه ضمن المهني الإعلامي، بل غلب الطبعُ التطبّعَ، وسريعاً أطلق حزب الله النار، سواء عبر نوابه أو عبر إعلامه، على «وطنية» ذاك الإعلام.
هذه الجولة من حرب الأشرطة لم تنتهِ بعد. وإذا كان التعامل الخفيف والمنحاز البعيد من المهنية خطيراً وله دلالات قصور وانحياز وفساد، فإن الانزلاق إلى لعبة التخوين السهلة في لبنان أخطر. فهذا كفيل بتغطية العطب الكامن في الأداء المهني والفساد المستشري في الإعلام ومؤسساته الرسمية والخاصة، ومعظمها يُجري إعادة تقويم لبنيته، وهي مناسبة ليتجاوز الأمر الشقَّ الماليَّ والإداريَّ إلى صوغ الهويات الإعلامية والعودة إلى المهنة بتقاليدها وعلومها العصرية ومستجداتها.