من أجل “تحقيق الدمج الاقتصادي الاجتماعي وتكافؤ الفرص” يعمل اتحاد المقعدين اللبنانيين جاهداً. يصف رئيس الاتحاد، حسين مروّة، المشروع بأنه نوع من “الحفر في الصخر”. وأول من أمس، استلّ مروّة قلمه ووقّع بروتوكول تعاون مع نقابة المهندسين للعمل على تطبيق المعايير الهندسية الدامجة التي تراعي احتياجات الأشخاص المعوّقين في الأبنية، ومنها مقرّ النقابة نفسه الذي جرى فيه حفل التوقيع
بسام القنطار
قبل أعوام، كانت جمعيات الدفاع عن حقوق الأشخاص المعوقين، تتسابق في تنظيم الاعتصامات أمام مجلسي النواب والوزراء. التحرّكات كانت لمساءلة الوزارات والمؤسسات المعنية بالقانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوّقين، بشأن عدم تطبيقه. لكننا اليوم أمام واقع جديد، فُرض على هذه الجمعيات، وعلى الأشخاص المعوقين أنفسهم، البحث عن وسائل أخرى لتطبيق هذا القانون، ومنها خلق شراكات ثنائية مع الجهات المعنيّة على غرار برتوكول التعاون الذي وقّع، أول من أمس، بين اتحاد المقعدين اللبنانيين ونقابة المهندسين في بيروت. وكان قد سبق هذا البرتوكول شراكة ثنائية بين الاتحاد والمجلس الأعلى للتنظيم المدني ووزارة الداخلية والبلديات، وغيرها من الجهات وذلك “من أجل تحصيل مفاعيل القانون بالمفرّق بعدما استعصى تحصيلها بالجملة”. الكلام لسيلفانا اللقيس الناشطة من أجل حقوق الأشخاص المعوقين في لبنان منذ ما يزيد على ربع قرن، حين أسّست مع مجموعة من رفاقها اتحاد المقعدين اللبنانيّين.
يهدف برتوكول التعاون مع نقابة المهندسين إلى تنظيم ظروف الحياة المستقلة مع خدماتها في الأبنية لذوي الحاجات الخاصة، من نوع الأرصفة المائلة تسهيلاً لوصول الكرسيّ النقال، والمصاعد لإلخ. كما جرى الاتفاق خلال التوقيع في مقر النقابة في بيروت على وضع برنامج عمل متكامل يمكن تقويمه كل فترة، وإقرار رؤية استراتيجية تحت عنوان “نحو بيئة دامجة”.
وسوف تعمل لجنة خاصة تضمّ إلى نقيب المهندسين بلال علايلي مهندساً منتدباً من اتحاد المقعدين، ومهندسين آخرين من النقابة، على وضع نموذج رائد تمثّل فيه بيروت ميدان عمله تحت شعار “بيروت عاصمة دامجة”، مع إعداد خطة طويلة الأمد تبدأ بتأليف مجلس المدينة الدامجة، إضافةً إلى توفير الشروط الملائمة لحسن تنفيذ وتطبيق القوانين والمراسيم التطبيقية، وتنظيم ورش عمل وإصدار منشورات توعية، ومرجع فني عن المواصفات والمعايير الهندسية الدولية الدامجة.
إذاً، بعد مضيّ تسعة أعوام على إقرار قانون المعوقين، وبعد توقيع لبنان الاتفاقية الدولية للأشخاص المعوقين، ما زال المعوّق في لبنان يعاني عدم تطبيق مواد القانون في مختلف المجالات، ولا سيّما في المواد التي نصت على حق الشخص المعوق في العمل والتوظيف والتنقّل الآمن والسكن، وفي التقديمات الاجتماعية والصحية والتعليم، إضافةً إلى الإعفاءات الضريبية والتسهيلات المالية التي تقدّم إلى الأشخاص المعوقين، وإلى جمعيات المعوقين والجمعيات التي تقدّم خدمات إليهم.
وفيما يعزو البعض سبب التباطؤ في التطبيق أو عدمه إلى ثُغر في القانون نفسه، من حيث منحه الكثير من الحقوق من دون تحديد المسؤول المباشر عنها أو رصده الموازنة اللازمة لها في الإدارات المعنية، وحصر صلاحيات الهيئة الوطنية لشؤون المعوّقين في الإطار التقريري، يرى آخرون أن السبب يكمن في سوء الإدارة في لبنان.
واللافت أن أيّاً من الجمعيات لم تلجأ إلى مجلس شورى الدولة عن طريق رفع دعوى قضائية ضد الإدارات التي لم تنفّذ القانون أو نفّذته بمزاجية، وسيلةً لإلزام الدولة.
ويشير الناشط في اتحاد المقعدين فادي الصايغ إلى أن الحكومة عمدت إلى تمرير الإعفاءات الضريبية للمعوقين، التي تفرضها البلديات، فيما رفضت إعفاءهم من ضرائب تحصّلها مباشرة خزينة الدولة،

بحسب القانون تدفع جمعيات المعوقين 25% من فواتير الكهرباء
وهذا خير دليل على أن العقلية التي تعاطت بها الحكومات المتعاقبة مع القانون 220 هي تطبيق المواد التي لا تسبّب أيّ أعباء مالية على الخزينة. ولقد نصّ هذا القانون على سبيل المثال لا الحصر على الإعفاء من ضريبة التسجيل في مصالح تسجيل السيارات، ومن الرسوم على القيمة التأجيرية ومن ضريبة الأملاك المبنيّة ورسم الانتقال، ورسم الطابع البريدي للرسائل بلغة “البرايل” الخاصة بالمكفوفين، والرسوم القضائية الواجبة على تقديم أية دعوى أو شكوى أو التدخل فيها أمام المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. بل ذهب القانون إلى حد إعطاء الحق بتقسيط الضريبة الواجبة على رخصة البناء لمدة خمس سنوات وبدون فائدة أو دفعة أولى. وجميع هذه الحقوق لا تزال حبراً على ورق.
ومن الأمثلة على سوء تطبيق القانون، ما نصت عليه المادة 94، التي تمنح جمعيات المعوقين وجمعيات الخدمات حق تسديد فقط 25% من قيمة الفواتير الواجبة عليها للماء والكهرباء والهاتف، وفق طلب إعفاء صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية.
ويؤكد الصايغ أن هذه المادة لم تجد طريقها إلى التطبيق، والاستثناء الوحيد كان لجمعية أو اثنتين ولفترة وجيزة، وسرعان ما تنصّلت شركة الكهرباء من هذا الخفض بحجة إلغاء الإعفاءات والخفوضات المقدّمة إلى الموظفين في الشركة! تضيف: “كل المؤسسات والوزارات المعنية تعاطت مع الإعفاءات والتسهيلات التي أقرها القانون على أنها “خارجة عن القانون”، وعملت على ابتداع طرق للتنصل منها، ومعاناتنا مع الجمارك في موضوع دخول السيارات المخصصة للأشخاص المعوقين خير دليل على ذلك.
ويشير الصايغ إلى أنه “إذا أراد المعوّق الحصول على إعفاء من رسوم الجمرك على سيارة استوردها من الخارج مثلاً عملاً بنص القانون، فعليه الحصول على أكثر من عشرة تواقيع. هذا عدا الكثير من المعوّقات التي تتمثّل في التطبيق الاستنسابي أو الخاطئ في معظم الأحيان، كعدم الاعتراف للمعوق الذي يعاني عجزاً في قدمه اليسرى بحقه في استيراد سيارة معفاة من الرسوم الجمركية، و“البهدلة” التي يتعرض لها في ما يخص تجهيز السيارة، حيث إن مديرية الجمارك لا تزال تعرقل الموافقة على الإعفاء إذا لم تكن السيارة مجهّزة، من دون أن تعترف بأن تجهيزها يجب أن يجري بعد تسلّمها ليتلاءم مع نوع الاعاقة”.