عكار ــ روبير عبد الله“لا تنغش بكترة الزبائن” هكذا يستقبلك صاحب مكتبة الأمانة، مستعجلاً إنهاء المقابلة ولو أن “العجقة على الفاضي”. أما صاحبة مكتبة الشعراني، فتقول “يظن الناس أن المكتبة تجني أرباحاً هائلة”، فيما هي “تعيش على الفرق البسيط في تبديل الكتب المستعملة”. أما الكتب الجديدة، فيكفي عدم تصريف كتاب واحد من كل صنف منها لامتصاص كل الأرباح التي تحقّقها المكتبة.
تلك هي الحال في الشارع المسمىّ شارع المكتبات، حيث تتداخل المكتبات الصغيرة بمحالّ بيع الألبسة المستعملة (البالة). تكرر المشهد نفسه، قبل عيد الفطر وبعده، نظراً إلى تباعد تاريخَي افتتاح المدارس الخاصة والرسمية، كأنك في كرنفال شعبي. آباء وأمهات وأولاد يحملون أكياسهم ويسيرون. وهم من عكار والضنية وطرابلس، بل من أحياء طرابلس الفقيرة بمعظمها، من باب التبّانة وباب الرمل وضهر المغر والقبة وبعل محسن (ما يعرف إعلامياً بجبل محسن، عندما لا تكون الأحوال متوترة بينه وبين التبّانة).
صحيح أن المشهد هو نفسه من ناحية نوعية الناس وقدراتهم المادية، لكن إمعان النظر في وجوه المارة ييُظهر قلقاً واضحاً في وجوه الأهل المفكّرين في ضيق ذات يدهم. أيام معدودة، وتتغير معها فحوى الأكياس التي يحملها الناس، وتتبدّل مضامينها. فقد صارت ثقيلة الوزن وغالية الثمن. أبو محمد ظنّ أن كتب أولاده الأربعة ما زالت صالحة للبيع أو التبديل. وأن المئتي ألف ليرة التي يحملها سوف تكفي لتسديد الفرق بين أسعار الشراء والمبيع. لكن، حساب أبو محمد لم يتطابق مع بيدر التغيير العشوائي للكتب المدرسية. فبالرغم من مضيّ أكثر من عشر سنوات على إطلاق المناهج الجديدة في التعليم، لم يجر الاتفاق على المنهج المعتمد بالنسبة إلى مادة التاريخ. لذلك لم يرَ خالد، تلميذ الأول ثانوي، أي مبرر لتغيير كتاب التاريخ في هذا الصف. وكتاب التاريخ في هذا الصف يبدأ بعصور ما قبل التاريخ وينتهي بالحضارة الصينية. وتالياً، لا تتعرض مضامينه لإشكالية النظر في عروبة لبنان والقضية الفلسطينية وانتداب فرنسا الأم الحنون.
أما كتاب الاقتصاد، فقد أصرّ خالد على الاحتفاظ به، بالرغم من تغييره في المدرسة، لأن صديقاً له أخبره أن التغيير عبارة عن مجرد حذف زهاء خمسة تمارين، وإضافة عدد مماثل منها. ويضيف إن علامات صديقه لم تكن في مادة الاقتصاد أقل من 19/20. فقد استطاع نسخ التمارين الخمسة الناقصة خلال حوالى ساعة واحدة ليوفر على نفسه ثمن الكتاب البالغ عشرة دولارات.
أما الطرفة الجميلة، فقد كانت مع كتاب الكيمياء. مدرّسة المادة، وهي تحمل دكتوراه في هذا الاختصاص، طلبت إلى تلاميذها الاستغناء عن الكتاب كلياً، واعتماد ملخصات كافية للتمكن من المادة، وقد شهد لها الطلاب بذلك. غير أن أحدهم عاد بعد شهر وباع الكتاب بربع ثمنه إلى إحدى المكتبات، أي بخمسة آلاف ليرة. فتصوّر أن عشرين ألف ليرة ذهبت هباءً منثوراً دفعها كل واحد من طلاب الصف من دون أي طائل، وبقيت الكتب جديدة.
لكن الطامة الكبرى كانت عند احتساب أسعار كتب السابع التي باعها سمير، إذ بلغت قيمتها بعد حسم أرباح المكتبة، وبعد ذهاب الكتب المغيّرة إلى سلة النفايات، ثلاثين ألف ليرة، أي سعر دفتر تطبيق الكتاب الإنكليزي المسعّر باليورو لأنه “طبعة أوروبية غير مقلّدة”. وهو للمناسبة (Signe) يحمل دمغة “مذهّبة”، يشير إليها صاحب المكتبة مفتخراً: “لا تنسَ أنك تشتري كتاباً أوروبياً غير مقلّد”.


فضائح وإنجازات

مشاكل التعليم والكتاب المدرسي في لبنان لا تحصى ولا تعدّ. وفي برنامج متلفز التقى فريق من أرباب التربية في التعليمين الرسمي والخاص من مستوى المدير العام لوزارة التربية فادي يرق، والأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب فادي تابت. في سياق البرنامج وردت اتصالات، رأى مدير البرنامج أنها ترقى إلى مستوى فضائح، يستفيد أو يغضّ النظر عنها نواب ووزراء ومسؤولون كبار في الدولة اللبنانية. لم ينفِ المسؤولون احتمال حدوث مثل تلك الفضائح، بل إنّه يجب التصدّي لها. ولكنها عُدّت بنظرهم مجرد قلة أخلاق من جانب بعض المعنيّين بإنتاج الكتاب المدرسي أو من جانب بعض أصحاب الإجازات المدرسية. وقد أسف المسؤولون المذكورون لعدم ورود اتصالات تشير إلى إنجازات التعليمين الرسمي والخاص في لبنان!