strong>اجتمعت السلطات الثلاث، أمس، في بهو قصر العدل. جاؤوا جميعهم للاحتفال بالسنة القضائية الجديدة. استعادوا تقليداً قديماً، كما استعادت كلماتهم الجدل القديم ذاته، بشأن ضرورة فصل القضاء عن السياسة
بدا أحد القضاة في بهو قصر العدل أمس مشغولاً عن الاحتفال بانطلاق العام القضائي الجديد. كان يتحدث إلى القوى الأمنية، في قضية تخصّ أحد الموقوفين. كان مرتبكاً ومستعجلاً. يضع يداً على الهاتف المحمول، ويداً على الأذن الثانية، لعلّها تقيه صخب المحتفلين. يتحدث وعينه مشغولة بالنظر إلى الشاشات العملاقة التي نُصبت في البهو العريض، وعرضت الحدث. آخر ما سمعناه، كان قوله عبر الهاتف: “خلص تركوه تركوه”. وبعدما أنهى مكالمته القصيرة، جلس القاضي على مقعده عن يسار المنبر (وضع المنبر خلف التمثال الشهير في قصر العدل)، إلى جانب حشد كبير من القضاة، الذين يسهل تمييزهم من زيّهم التقليدي. وعن يمين المنبر، بدأت تتوافد الشخصيات السياسية.
استقبلهم وزير العدل إبراهيم نجار، ورئيس مجلس القضاء الأعلى غانم غانم، والنائب العام التمييزي سعيد ميرزا. وصلوا تدريجياً من كل الكتل النيابية. حضر رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، وبرفقته الوزير محمد الصفدي في الوقت ذاته تقريباً. لحق بهم رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، الذي طابت له الدردشة مع القاضي غانم قليلاً، قبل أن يوصله الأخير إلى مكانه أمام المنبر، وتلاه في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري. فجأةً ساد الصمت، وانشدت الأعين إلى السجاد الأحمر المزروع على بوابة القصر. قرعت الطبول عندما وصل الرئيس سليمان، وتالياً، كثّف أفراد الحرس الجمهوري إجراءاتهم الأمنية. واستفاد الوزير أبو جمرا من هذه الإجراءات، لكونه قد وصل بعد الرئيس سليمان، فصافح الرؤساء الثلاثة، والرئيس السابق نجيب ميقاتي، كما بدا أن مُزاحاً حصل بينه وبين الرئيس السنيورة.
وافتتحت الكلمات مع نقيب محامي بيروت رمزي جريج، الذي ألقى كلمة أكد فيها ضرورة استقلالية القضاء. أما القاضي غانم، فقد ألقى كلمة مطوّلة، شارك فيها جريج دعوته إلى استقلالية السلطة القضائية، من دون أن يفوته كيل المديح للسلطات السياسية. بدأ بشكر الرئيس سليمان على جهوده لإنجاح عمل القضاء، وشدّد على دور الرئيس السنيورة في إصدار التشكيلات القضائية، قبل أن يعود ويرحّب بدور الرئيس بري أيضاً. بعدما طلب من الجميع كفّ اليد عن عمل القضاء، عاد وشكر جميع أركان الطبقة السياسية، مذكّراً بضرورة دعم القضاء مادياً، وبإنجاز تنفيذ قانون العقوبات.

دعا وزير العدل إبراهيم نجار إلى الدفع نحو أنسنة أكثر في ميزان العدالة
أما الوزير نجار، فلخّص تحديات القضاء في المرحلة المقبلة بضرورة تسريع الأحكام، والسعي نحو الحدّ من التوقيف الاحتياطي، ولا سيّما مع اكتظاظ السجون، وتقصير مهل الدعاوى، واختصار الإجازات الإدارية، من أجل الحد من الاختناق القضائي، تمهيداً لتطوير ما يمكن إقراره لتعزيز استقلال القضاء، لأن سكوت القضاء أحياناً إزاء بعض الحملات والتحامل لا يجوز أن يفسّر على أنه ضعف أو تراجع عن حياديّته ومسؤوليته وموضوعيته.
وبدا نجار متحمّساً، فدعا إلى الدفع نحو أنسنة أكثر في ميزان العدالة، ليس فقط في بدء تطبيق فعلي لقانون خفض العقوبات، ومباشرة الإعداد، وفق خطة خمسيّة لانتقال مسؤولية السجون (ضمن مشروع تطوير العدالة الجنائية)، عام 2012، إلى وزارة العدل، بل في مجال صياغة مشاريع قوانين لا بد من إقرارِها إذا شاء لبنان أن يبقى قبلة العالم المشرقي والعربي في تراثه الحضاريّ، مكرّراً موقفاً سابقاً له، دعا فيه إلى إعادة النظر بالمحاكم الاستثنائية.
وأثنى الرئيس سليمان في كلمته على القضاة، وذكّر بأننا “شهدنا منذ أشهر تشكيلات قضائية شملت كل القضاة، بعدما انتظم عمل مجلس القضاء، وقد سمعنا بعض الانتقادات”، ورأى أنها “كانت خطوة مهمة لم نخطُها قبل سنوات، كما أن تأليف المجلس الدستوري وفّر مناخاً من الاطمئنان للمشاركين في الانتخابات”. ورأى أنه “إذا كان من واجب الدولة أن تعزّز حصانة القاضي، فمن أول واجباته دوام الاستزادة بالعلم، والتحصّن بالمناعة، وصوابية القرار، والزهد إلّا عن الحق، وللمتقاضين أن ينعموا بمحاكمات عادلة”. في المحصّلة، لم يتطرق المجتمعون إلى قضايا جوهرية في مسألة العدالة، التي تمر في مراحل ثلاث: مرحلة العمل الأمنية، ومرحلة المقاضاة، ومرحلة العقوبة، علماً أن المراحل تمرّ جميعها بإشراف القضاء. لم يتطرق أحد إلى وضع السجون المزري. لم يذكر أحد في المهرجان الاحتفالي، أن القوى الأمنية وجدت السجين علي سويدان ميتاً أول من أمس في مبنى الموقوفين (ب) في السجن المركزي في رومية. عمره 57 عاماً. وجدوه معلّقاً بقميصٍ مربوط بشبّاك الغرفة 151، علماً أنه كان معه عدد من السجناء في الغرفة. نُقل على الفور إلى مركز رومية الطبيّ، وهناك أعلن الأطباء أنه فارق الحياة. كل سنة قضائية وأنتم بخير.
(الأخبار)


الفوضى

كأن ترتيب جلوس الحاضرين كان مقصوداً. السياسيون عن اليمين، والقضاة عن اليسار. هكذا، أصبح شكل الحاضرين منطقياً. فُصلت السياسة عن القضاء لو شكلياً داخل قصر العدل. لكنّ ذلك لم يمنع الزحمة، حتى إن بعض الصحفيين لم يجدوا مكاناً للجلوس، رغم أن المشرفين على التنظيم جهدوا في تأمين أماكن للجميع. وفي هذا الإطار لوحظ وقوف أحد كبار القضاة إلى جانب زملاء له على مقربة من أحد جدران القصر. لم يكن قصراً في الحقيقة، إذ إن الفوضى في بعض أرجائه كانت موجودة، من ناحية الاهتراءات في الجدران، والغبار الكثيف في بعض الغرف. حاول المنظّمون إجراء بعض الترتيبات لجعل المكان “لائقاً” بزيارة رئيس الجمهورية. وأمل مسؤول قضائي في حديث مع “الأخبار” أن يتحسن شكل قصور العدل في الأعوام المقبلة.


لقطات

كان أحد أفراد الحرس في القصر الجمهوري، يصرخ في جهازه اللاسكي، طالباً من زملائه، الحرس الآخرين، منع المرافقين الشخصيين للشخصيات من الدخول، مشدّداً عليهم استثناء حرس السفارة الأميركية. وجلست السفيرة سيسون إلى جانب الوزير طارق متري، الذي فاتته كلمة النقيب رمزي جريج بسبب حديثه الجانبي الطويل معها. حضور وزير العدل الأسبق عدنان عضوم كان لافتاً، فدخل موكبه إلى المكان الذي دخلته مواكب الشخصيات المهمّة، إلا أن القاضي ميرزا لم يكن موجوداً ليستقبله. صافحه الوزير نجار والقاضي غانم وعدد كبير من القضاة الذين يعرفهم جيداً. ولم ينتبه الحاضرون إلى النائب الجديد عقاب صقر، الذي تأخّر أربعين دقيقة للوصول، وقد غلب النعاس وجهه.