تقارب المونة العكارية الثلاثين صنفاً، لتنوع بيئة المنطقة، ما يسمح بزراعة مختلف أنواع الخضار، وبتربية الماشية واقتناء قفران النحل. قسم كبير من غلال تلك المزروعات يصلح للتخزين إما مباشرة أو بعد معالجته
روبير عبدالله
إذا أردنا تقسيم أصناف المؤونة العكارية، لجعلناها في خمس مجموعات، بالإضافة إلى بعض المتفرقات. أولى المجموعات هي مشتقات الحليب. وتأتي في طليعتها اللبنة التي تجفف، (اللبنة المكعزلة) ثم توضع في إناء مليء بزيت الزيتون على شكل أقراص. كذلك الجبنة البلدية التي توضع في إناء مليء بمياه شديد الملوحة. والجبنة تصنع من الحليب مباشرة عند غليه وإضافة ما يسمى قرص المجبنة إليه وهي عملية تتطلب مهارة معينة وإلا فسدت الجبنة وصارت سامة. وأفضل مشتقات الحليب هو الشنكليش الذي يتطلب معالجة مضنية تمر بـ«خضّ» الحليب لسحب الزبدة منه، ثم تسخينه، حتى يغلي، فتطفأ النار ويجري تكبيس «القريش» الذي يبدأ بالتكوّن إلى أن يبرد فيهبط إلى أسفل الوعاء، بعد ذلك يوضع في كيس من قماش ويترك حتى اليوم التالي لتخرج المياه منه، بعدها يخلط بالملح والفليفلة الحرّة، ويحفظ لمدة يومين، يُحوّل بعدها إلى أقراص تُملأ جوانبها بالزعتر، ثم يوضع تحت الشمس أياماً عدة ليصبح صالحاً للتخزين. ينتج من رطل الحليب البالغ سعره ثلاثة آلاف ليرة، قرص شنكليش واحد يبلغ سعره ألفي ليرة وأوقية زبدة بثلاثة آلاف ليرة.
أما المجموعة الثانية، فتضم المربيات. وتشمل المشمش والتفاح والإجاص والسفرجل والكرز، وجميعها متوافر في عكار، لكنها نادراً ما تكون لغرض البيع، باستثناء مربى التين أو ما يسمى «المعقود» الذي يتزايد الطلب عليه. وقريباً من المربيات هناك دبس الرمان الذي يستخدم بدل الحامض سواء في الطبخ أو في «السلطة». ويباع الليتر الواحد منه بعشرين ألف ليرة لبنانية.
كذلك، تشتهر عكار بصناعة رب البندورة، الذي يلقى بيعه رواجاً. وفي الآونة الأخيرة بدأ الناس يستخدمون شكلين آخرين من عصير البندورة. الشكل الأول عبارة عن عصير سائل يوضع في قنان زجاجية وهو في درجة الغليان، تُغلق بإحكام قبل أن تبرد. أما الشكل الآخر فهو عصير بندورة لزج، ويوضع في قنان صغيرة تصلح كل منها لأكلة واحدة.
وإلى تلك المواد الصالحة للمؤونة في عكار، ينتج العكاريون العسل للاستهلاك المنزلي وللبيع على السواء.
أما المجموعة الثالثة، أي الزيتون، فهو يعتبر «ملك السفرة» في عكار. البعض «يكبسونه» مع الزيت، والبعض الآخر مع الماء المالح، ولغاية الآن ما زال معظم الناس يضعون بيضة الدجاجة في الوعاء المخصص لكبس الزيتون، إذ عندما تطفو البيضة على سطح السائل، يعني ذلك أن كمية الملح صارت كافية.
من ناحية أخرى، يعتبر زيت الزيتون من أهم مكوّنات المونة. وفي معظم الأحيان، تحتاج كل أسرة إلى صفيحتين (32 كيلو)، سعر الصفيحة بين المئة ألف ليرة والمئة دولار، تبعاً لحجم المواسم.
وللقرى والبلدات المسيحية في عكار مجموعة رابعة من المونة تشتهر بإعدادها من العنب: العرق البلدي. وهو بنظر منتجيه وبنظر العديد من مستهلكيه، أفضل بكثير من العرق الصناعي. ولا تزال الجلسة والسهر بالقرب من «الكركي»، من المسائل الممتعة في عكار، وهي من الأنشطة القليلة التي لا تزال تشهد على عمق العلاقات القروية. بعض منتجي العرق يبيعون الفائض عن حاجاتهم. ويبلغ سعر الغالون (5 ليترات) خمسة وسبعين ألف ليرة لبنانية. يعمد بعض المزارعين أيضاً إلى استخراج النبيذ من العنب، لكنهم قلة، إذ إنه يطلب لإنتاج نبيذ جيد أنواعاً محددة من العنب، كما أن عملية إنتاجه تتطلب مهارة عالية. فهو لذلك غير معروض للبيع، بل للاستهلاك المنزلي فقط.
وتدخل ضمن رزمة المونة العكارية مجموعة خامسة تنتج من الباذنجان الذي «يكبس» ليصبح «مكدوساً». وهو الأكلة المفضلة في كل وقت. أما سائر أنواع الكبيس، مثل كبيس الخيار، فتخزينه يقتصر على بعض الذين يستمتعون بتناوله إلى جانب العرق.
بالإضافة إلى هذه المجموعات، يتوافر في عكار الزعتر البري وهو نوع مرغوب لحاجة العائلات الفقيرة إليه، بالنظر إلى ثمنه الرخيص. ويشترك في جمعه من الحقول والبساتين معظم أفراد الأسرة. وعندما تزيد كمية الزعتر المجمعة عن حاجة الأسرة، يصار إلى بيع الفائض.
أما الجوز واللوز، فيُخزّنان أيضاً ضمن المونة، من أجل استخدامهما في صناعة الحلوى المنزلية. اللوز عادة يكسّر، فتخزن الأسرة حاجتها، وتبيع الباقي إلى المحامص. أما الجوز فتبقى الحبات على حالها من دون تكسير، ويباع الفائض منه في السوق المحلي. وتباع المئة حبة بحوالى الستة آلاف ليرة. وبالنسبة للتخزين فقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن بعض الناس يفضلون حفظه في البراد لكي تحافظ حبة الجوز على طراوتها ونكهتها.