محطة القطار في طرابلس منسيّة من سكان المدينة، لكنها محل اهتمام بعض عشاق القطارات في العالم، وخصوصاً أنّها تحوي كنزاً فريداً من نوعه في لبنان. ففي تلك المحطة، التي تتميز بشكل هندسي خاص بها ونادر عالمياً، يقف منذ أكثر من مئة سنة أول «موديلات» قطار الـOrient Express الذي كان يربط باريس بطرابلس في مطلع القرن العشرين، وكان الفحم الحجري يستخدم في تشغيلها.وكانت رحلة القطار تستغرق أربعة أيام ونصف اليوم وتصل آسيا بأوروبا، وكان القطار يؤمن ثلاث رحلات أسبوعياً، ما يظهر «ضغط» الرحلات في تلك الفترة. وقد بقيت هذه المقطورات والمركبات الألمانية والفرنسية الصنع، التي يندر وجودها، وبقيت شاهداً على ذلك العصر الذهبي وهي لا تزال تقف منذ عقود من دون أي حماية حقيقية في محطة القطارات. أمر دفع بعض الباحثين إلى العمل على إطلاق عريضة تطالب وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار بتصنيف مباني القطارات على لائحة الجَرد العام للمحافظة عليها. هذا ما أكده الياس خلاط، مدير مدرسة السياحة التابعة لراهبات المحبة في ذوق مكايل، الذي يدير نادياً لـ«محبي محطة القطار في طرابلس» والذي عمل بجهد لإطلاق العريضة المطالِبة بالمحافظة على هذا الجزء من تاريخ لبنان المعاصر. كذلك، أشرف خلاط على دراسة لنيل شهادات عليا، قدمتها ثلاث طالبات من مدرسة السياحة، عن هذا المعلم وتطويره. وقد كرّمت بلدية طرابلس هؤلاء الطالبات خلال حفل إطلاق العريضة التي تبنتها الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وستنشرها في مؤتمراتها التي يعقد أولها في مدينة مكسيكو الأسبوع المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن محطة القطارات هي ملك وزارة الأشغال التي لا يزال مكتبها على المحطة يستقبل موظفيه كل يوم. وما يميز قطار طرابلس عن باقي قطارات لبنان أنه لا يزال موجوداً في مكانه، ولا تزال سكته «سالكة»، إذ لم تشيّد عليها الأبنية، فيما الدولة اللبنانية كانت قد كلفت شركات الحديد في لبنان تفكيك كل محطات القطار والسكك الحديدية وبيعها حديداً يذوّب! فخسر لبنان خط سكة الحديد ولم يبقَ إلا محطة طرابلس التي تحولت بهذا الفعل إلى «معلم تاريخي» لا بد من الحفاظ عليه.
ويقول رئيس بلدية طرابلس، المهندس رشيد جمالي، إنه يمكن تحويل محطة طرابلس إلى متحف واستعمالها لإعادة تسيير القطار بين طرابلس وحمص. بذلك «يُحافَظ على المعدات التاريخية وتأهيل خط طرابلس ـــــ حمص، الذي لا يحتاج إلى إمكانات مالية كبيرة، فالسكة الحديد لا تزال على حالها دون تخريب أو تعديات تذكر».
ويؤكد جمالي أنه «في عام 2005 لُزِّمت إعادة تأهيل سكة الحديد، وجرى التعاقد مع شركة سورية لتولي هذا الأمر، لكن الوضع السياسي آنذاك أدى إلى تجميد المشروع. ونأمل مع الانفراج السياسي الدفع بالمشروع قدماً، كذلك ندعو إلى إطلاق أوسع حملة من الهيئات المدنية للنهوض بمشروع متحف محطة القطار لأنه قابل للتحقيق فوراً».
وأكد كل من رئيس بلدية طرابلس ورئيس بلدية الميناء العمل معاً لدفع عجلة التصنيف مع وزارة الثقافة، لأن هذه الخطوة سيتبعها التأسيس لجمعية غير حكومية تُعنى بتحويل الموقع إلى متحف، وتعمل على تأهيله.
(الأخبار)