التعميم الذي صدر أخيراً لتنظيم حركة سير الدرّاجات النارية، أثار نقاشاً كبيراً. رحّب به لبنانيون تأذّوا من سوء استخدام البعض للدرّاجات، فيما يتحدّث متضرّرون عن ضرورة تعديله بما يراعي مصالح جميع المواطنين
محمد نزال
عاد الحديث عن ضرورة “قمع” مخالفات الدراجات النارية، إثر جريمة قتل المواطن جورج أبو ماضي في إشكال الشياح ـــــ عين الرمانة قبل أسبوعين. تردّد آنذاك أن مواكب الدراجات التي يمتطيها بعض “الزعران”، تدخل إلى الأحياء وتعمد إلى استفزاز السكان، ما يؤدي إلى تفاقم الإشكالات. بعد يومين من وقوع الجريمة، أصدر وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قراراً بضبط سير الدرّاجات النارية على جميع الأراضي اللبنانية، اعتباراً من الساعة الصفر من تاريخ 15/10/2009، داعياً سائقي الدراجات إلى تسوية أوضاعهم القانونية. نص القرار على السماح بسير الدراجات النارية من الساعة الـ5 صباحاً حتى الـ6 مساءً، على أن تُحجز كل دراجة تسير خارج هذا التوقيت. يُستثنى من المنع المشار إليه، الدراجات النارية العائدة إلى الصيدليات والشركات والمؤسسات والمطاعم التي تقدّم خدمات التسليم إلى المنزل، بصورة ثابتة واعتيادية، شرط أن تكون مستوفية لجميع الشروط القانونية، على أن يُسمح لها بالسير حتى الساعة الـ12 ليلاً فقط.
فرح بعض المواطنين بهذا القرار الذي أثار حفيظة البعض. هلال شاب في العقد الثالث من العمر، يسكن في منطقة الشويفات ويعمل في الأشرفية، يتنقّل يومياً بين المنطقتين على دراجته النارية “المستوفية لجميع الشروط القانونية”، لكن دوام عمله ينتهي عند الساعة التاسعة مساءً. قبل يومين صادرت القوى الأمنية دراجته، البالغ ثمنها 2000 دولار، وذلك أثناء عودته من العمل. يقول الشاب الثلاثيني إنه لا يملك ثمن سيارة.
ويلفت إلى أن الدراجة تسمح له بالهروب من العجقة، يشدد “أنا زلمي آدمي وما بدي إلّا أقضي مشواري”.
في سياق متصل، لم يرد في القرار ذكر للصحافيين والمصورين، من ضمن الذين استُثنوا من القرار، لكنّ الوزير بارود عاد وأخبرهم في مؤتمر صحافي أن الاستثناء يشملهم. أحد المصورين يتمنّى على الوزير إضافة الصحافيين والمصورين إلى نص القرار، ضماناً لعدم “القمع من جانب القوى الأمنية”.
المصوّرون يروون وجهتَي نظر، بعضهم يتحدث عن “ثقافة قمع الدراجات النارية”، مشيراً إلى أن “كل قانون يدعو إلى منع الدراجات هو قانون متخلّف وغير عصري، لأن الحوادث تحصل في كل دول العالم، ولكن لا أحد يُلغي سير الدراجات النارية أو يحدّد سيرها، وإلا فليحدّدوا وقتاً لسير السيارات أيضاً، التي يبلغ عدد حوادثها المرورية والأمنية أكثر بكثير من حوادث الدراجات”.
بعض المصوّرين الصحافيين يطالبون بـ“وضع قوانين نهائية تخصّ الدراجات النارية لا تبدّل خلال فترات بسيطة”.
بلال يتحدث عن زميل له أُوقف، رغم أنه يعتمر الخوذة، وفي تلك الأثناء مرت فتاة تقود سيارة وتتحدث عبر الهاتف الخلوي خلافاً

يقترح البعض أن تشجّع الدولة على ركوب الدرّاجات، تخفيفاً من أزمة السير
للقانون، ولم يوقفها أحد، وأضاف المصوّر “في فترات سابقة كان بعض المسؤولين “يقمعون” الدراجات النارية فقط لأن زوجاتهم وأولادهم يتأفّفون من رؤية الدراجات النارية تمر بقربهم”.
ثمة وجهة نظرة ثانية، تنتشر بين المصورين الصحافيين الذين يحتاجون إلى الدراجة للتنقّل بسرعة بين منطقة وأخرى لتغطية كل الأحداث في بيروت، أو في المناطق. يرى مصورون أن “فرض القانون أمر لازم، لكن يجب مراعاة مصالح المواطنين الذين يقودون الدراجات النارية في عملهم، أو يستخدمونها في التنقّل ليلاً بين محل السكن والعمل”. يقترح هؤلاء المصوّرون أن تشجع الدولة على ركوب الدراجات، ولكن ضمن الأطر القانونية “لأن في ذلك تخفيفاً من أزمة السير، فضلاً عن التخفيف من حدّة التلوث”، ويضيفون “بإمكان الدولة أن تفرض عدم بيع الدراجة إلّا لمن يحمل رخصة سوق قانونية، وعندها تتدنّى نسبة “الزعران” الذين لا يملك أغلبهم رخصة سوق، وبالتالي يسيئون بتصرفاتهم إلى جميع سائقي الدراجات”.
ورد في القرار إشارة إلى وجود آلية ترخيص محدّدة لمن شملهم الاستثناء، ستصدر لاحقاً عن وزارة الداخلية والبلديات. في هذا الإطار، لفت مسؤول في الوزارة إلى أن “آلية الاستحصال على الرخص سوف تصدر خلال يومين، وتوزّع على جميع وسائل الإعلام ليتعرّف المواطن على طريقة تحصيل الترخيص بالسير للمستثنين من القرار”.
كان وزير الداخلية قد ذكر في رد على سؤال خلال مؤتمر صحافي قبل أسبوع، أن القوى الأمنية “أوقفت 156 دراجة نارية خلال يومين في الضاحية الجنوبية. الجميع يريدون تطبيق القانون، ولذلك لن يقال لنا بعد الآن إن هناك مناطق تطبّق فيها القوانين، ومناطق أخرى لا تطبّق فيها القوانين. هذا القرار يطبّق على كل الأراضي اللبنانية، ومنطقة الضاحية الجنوبية هي منطقة عزيزة، وجزء من الدولة اللبنانية يطبّق فيها القرار بتعاون كامل مع كل المعنيين بهذا الموضوع”.





لقطة

لم تمرّ حملة “قمع” الدراجات النارية المخالفة، دون وقوع صدامات بين القوى الأمنية وبعض أصحاب الدراجات، بيد أن مسؤولاً أمنياً رفيعاً أشار في حديث مع “الأخبار” إلى أن هذه الإشكالات “ما زالت ضمن الحد الطبيعي، وأن الخطة التي وُضعت بتاريخ 19 كانون الثاني من العام الجاري ما زالت مستمرة، وقد جرى تكثيفها أخيراً وفقاً لقرار وزير الداخلية”. ودعا المسؤول الأمنيّ جميع سائقي الدراجات إلى “التقيّد بالقوانين، لأن الحملة مستمرة”. أما بخصوص مدة قرار منع سير الدراجات بعد الساعة الـ6 مساءً، فأشار المسؤول إلى أن “المدة مفتوحة حالياً وغير محددة بأجل معيّن، فهذا الأمر يعود إلى وزارة الداخلية”. هل تشمل الحملة “عملياً” جميع الأراضي اللبنانية؟ ردّ المسؤول الأمني “بكل تأكيد، والناس على الأرض سيلاحظون الأمر”.