الضجة التي أثيرت بشأن كتاب «تاريخ العالم الحديث» الأميركي، المعتمد منذ 7 سنوات في «الانترناشيونال كولدج»، طرحت علامات استفهام. المسؤولون في المدرسة شرحوا لوزارة التربية أنّ المقطع المتعلق بالإرهاب في العالم ملغى بواسطة لاصق منذ اعتماد الكتاب. أما الوزيرة بهية الحريري، فأبدت ارتياحها لالتزام المدرسة بالثوابت الوطنية والعمل ضمن القوانين اللبنانية. إذاً، لمَ طرحت القضية الآن؟
فاتن الحاج
ماذا وراء إثارة الضجة بشأن كتاب «تاريخ العالم الحديث» الأميركي الذي يصف بعض حركات المقاومة بالإرهاب؟ ولمَ هذا العام بالذات، ما دام الكتاب نفسه يدرّس في مدرسة «الانترناشيونال كولدج» منذ 7 سنوات؟ هل كان هدف إثارة القضية هو تسليط الضوء على غياب وزارة التربية والتعليم العالي عن الإشراف على المناهج التي تدرّس في بعض المؤسسات التربوية الخاصة، ما يلزّم تربية أولادنا للجهات الواضعة للكتاب؟ وأين هي مهمة وزارة التربية في وضع كتاب تاريخ موحّد لكل طلاب لبنان؟ أم أنّ للأمر خلفية سياسية، كما قالت وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري، خلال الاجتماع مع مسؤولي المدرسة، أمس، في الوزارة؟ فالوزيرة أعربت عن اعتقادها بأنّ «إثارة الموضوع سياسية لا تربوية، ونحن نعمل ضمن ثوابت تربوية لا غبار عليها». وإن سلّمنا جدلاً بالأمر، فالسؤال الذي يطرح هنا ما هي الفائدة السياسية من إثارة موضوع كهذا في هذا التوقيت بالذات؟ أي في ظل المحاولات الحثيثة للتقريب بين وجهات نظر القوى المختلفة.
لكن، ماذا لو كانت القضية تدخل ضمن اللعبة التجارية والتنافس بين دور النشر والمكتبات، وخصوصاً أنّ المدرسة تعاونت هذا العام مع جهة أخرى لتزويدها بـ«طلبيّتها» من الكتب بحسب عدد التلامذة الذين يدرسون في الكتاب، وهي كما علمت «الأخبار» مكتبة أنطوان؟
ثم، ما هي حقيقة المعلومات التي ترددت في أوساط الوزارة ومفادها أنّ دار النشر التي كانت تتولّى توزيع الكتاب سابقاً في لبنان هي «أول برنت»، وهي دار تعود إلى رئيس مجلس إدارة تلفزيون الجديد تحسين الخياط؟
ينفي الخياط، في اتصال مع «الأخبار»، هذه المعلومة، مؤكداً أنه لا علاقة «لدارنا من قريب ولا من بعيد بسلسلة الكتاب المذكور، أي ماك دوغل ليتل»، لا بل إنّه أكد لنا «أننا نتعاون مع سلسلة هاركورد الأميركية، وهي سلسلة منافسة لسلسلة الكتاب المذكور». من إذاً كان يتولى التوزيع في السابق؟ وهل صحيح أنّ سعر الكتاب في أميركا هو 29 دولاراً، بينما يباع في لبنان بـ103 دولارات؟.
الإشراف على الكتب المستوردة من مسؤولية الأمن العام لا وزارة التربية
وكانت القضية قد استحوذت على اهتمام كبار المسؤولين في الوزارة، فاجتمعت الحريري أمس بوفد تربوي من مدرسة «الانترناشيونال كولدج» ضمّ كلاً من رئيس المدرسة جون جونسون، نائب الرئيس لشؤون المتخرّجين مفيد بيضون، مسؤولة المرحلة الابتدائية وداد الحص، والمسؤولة الإدارية ميشكا مجبّر موراني.
وقد حضر الاجتماع المدير العام للتربية فادي يرق، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ليلى فياض، رئيس مصلحة التعليم الخاص عماد الأشقر.
وتناول البحث ما أثير على لسان بعض السياسيين لجهة تناول الكتاب المذكور الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط من منظور أميركي، بعد الحادي عشر من أيلول، واتهام حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي بالإرهاب.
بعدما استوضحت الوزيرة الحريري من الوفد ملابسات الموضوع، لفتت إلى أنّ الكتب المذكورة معتمدة منذ سنوات، والمدرسة قامت بواجبها لجهة احترام القوانين المرعية الإجراء وذات العلاقة بالثوابت الوطنية. ولم تتوان الوزيرة عن الإعراب عن فخرها بوجود مدرسة مثل «الانترناشيونال كولدج» تعلّم أولاد اللبنانيين ضمن القانون اللبناني.
لكنّ الحريري أكدت أنّ مقاومة الاحتلال «تدخل ضمن ثوابتنا الوطنية، وأنّ الرئيس الراحل رفيق الحريري هو الذي سعى إلى رفع صفة الإرهاب عن المقاومة الوطنية في المحافل الدولية»، مذكّرة بأنّ مراقبة الكتب المستوردة لا تقع تحت مسؤولية وزارة التربية، بل تحت مسؤولية الأمن العام.
وكانت الحريري قد اطّلعت من الوفد على حيثيات ما يتضمنه كتاب التاريخ الأميركي المعتمد في المدرسة من الصف الثامن أساسي (الثالث متوسط) حتى الثاني عشر (الثانوي الثالث).
وأوضح جونسون أنّ المدرسة تعمل في لبنان منذ عام 1936 و«ليس لها أي توجّه سياسي، وهذا الكتاب معتمد لدينا منذ عام 2003، أي منذ نحو 7 سنوات، وهو مخصص لطلاب المنهج الأجنبي في المرحلة المتوسطة».
وقال: «إننا لا نتطرق في مناهجنا إلى النزاع العربي الإسرائيلي، كذلك فإننا لم نطلب اعتماد الطبعة الجديدة من الكتاب. ويمكن أن يكون أحد الطلاب قد حصل على نسخة من هذه الطبعة من خارج لبنان».
وشرح كيف غُطّي المقطع المذكور في الكتب المعتمدة من جانب المدرسة بمادة لاصقة فضية اللون تمنع رؤية ما تحتها، وإذا دفعت حشرية أي طالب إلى نزع اللاصق تتمزق الورقة.
ولفت جونسون إلى أنّه بعد إثارة القضية، طلبت معلمة المادة من 80 تلميذاً يدرسون في هذه المرحلة إحضار كتبهم إلى الصف للتأكد من أنّ اللاصق محكم، بل انتزعت كل صفحات الفصل لأنّه غير مطلوب من التلامذة.
ولإبراز ما سمّاه الدور الوطني للمدرسة، أكد جونسون «أننا ندرّس كتاب التربية الوطنية الموحّد المعتمد في المنهج اللبناني إلى تلامذة المنهج الأجنبي، والذين لا يعرفون العربية ندرسّهم إياه باللهجة العامية».
وبعدما عرض جونسون المقطع المغطّى باللاصق للإعلاميين، جدد التأكيد «أننا على الحياد، وخرّجنا طلاباً من المناطق والطوائف اللبنانية كلها».
وفي الاجتماع، لفتت ليلى فياض، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، أي الجهة المعنية بطباعة الكتاب اللبناني وتوزيعه، إلى أنّ المركز يراقب الكتب المدرسية التي تنتجها دور النشر التربوية الخاصة في لبنان وتعطي الإذن باعتمادها بعد التأكد من عدم مخالفتها للمناهج أو إثارة النعرات الطائفية. لكن المركز، بحسب فياض، ليس لديه سلطة على الكتب المستوردة.