ما زال التعذيب يمارَس ضد موقوفين خلال التحقيقات الأوّليّة معهم، رغم أن لبنان وقّع مواثيق دولية تمنع اللجوء إليه. رضا محمد تيمور محمد، موقوف في قضية مقتل الصرّاف أحمد ج الخطيب... في جلسة الاستماع إلى الشهود أمس ردّد الشاب العشريني قصة تعذيبه
بيسان طي
“للمرة المليون، أُعيد وأكرّر أنني لست مسؤولاً عمّا ورد في التحقيقات الأوّليّة”، قالها الشاب القابع على مقاعد المتهمين بصوت متهدّج، وقف، أخذ نفساً سريعاً وعميقاً، ثم أكمل “أنا لا أتحدث عن ضرب فقط، تعرّضت لما هو أبشع، أظافري اقتُلعت، آثار التعذيب لا تزال بادية على ظهري، عُلّقتُ على البالانكو عارياً... أسمعوني أصوات تعذيب نساء وقالوا أمّك وأختك ستتعرّضان لهذا التعذيب، وسنفعل بهما...”
ورد هذا الكلام أمس على لسان رضا خلال جلسة تحقيق واستماع إلى شهود في محكمة جنايات بيروت. الشاب العشريني موقوف منذ عام و10 شهور بتهمة قتل الصراف أحمد الخطيب في البقاع الغربي.
خلال أكثر من ساعة كان رضا يرد على أسئلة تتعلق بالتحقيق الذي أُجري معه فور توقيفه في 3/ 1/ 2008 بأنه تعرّض لصنوف مختلفة من التعذيب، وأنه لا يعترف بما ورد في محاضر التحقيق المحرّرة خلال فترة توقيفه في البقاع.
صباح 22/ 12/ 2007 وقعت جريمة اغتيال الصراف أحمد الخطيب، فقد أُطلق عليه طلق ناري استقر في رأسه، نقل إلى المستشفى وفارق الحياة بعد أيام، وتحدد تقارير الأطباء أن الخطيب تعرّض لإطلاق النار عند الساعة الـ8،30 تقريباً.
كان رضا، وفق التحقيقات، قد مرّ بمكتب الصراف لإجراء بوليصة تأمين لسيارة استأجرها لزيارة سوريا.
القضية إذاً ما زالت رهن التحقيق، وفي يد القضاء. لكن الاطّلاع على بعض “أوراق التحقيق” إذا جاز التعبير، يلفت إلى عدد من الانتهاكات.
بدايةً، لا بد من التوقف عند تقارير أطباء فحصوا المتّهم رضا، ففي هذه التقارير نقرأ أن رضا قال للطبيب، في حضور عنصر الحراسة في رومية، إنه تعرّض للتعذيب عند توقيفه.
بتكليف من قاضي التحقيق الأول في البقاع الرئيس طنوس مشلب، عاين طبيب شرعي رضا في سجن زحلة، وحرّر تقريره في 17/ 1/ 2008 ، فوجده “يشكو من أوجاع في القدم والكاحل من الجهة اليُسرى، ومن صعوبة في المشي، ومن تنميل في إبهام اليدين”، وجاء في التقرير أيضاً “عند الكشف السريري تبيّن وجود الإصابات الجسدية الآتية:
1- سحنات حمراوية اللون باهتة، بشكل خطوط متوازية ومتقاطعة، بأطوال مختلفة من خمسة سنتمترات إلى عشرين سنتمتراً، بعرض خمسة ميللمترات، عددها تسعة خطوط موجودة على القفص الصدري من الجهة الخلفية، من جهة الظهر عن الجهتين اليمنى واليسرى إلى الناحية الخلفية للكتف اليسرى.
هذه الإصابات ناتجة من آلة صلبة ويعود تاريخها إلى أسبوعين.
يلفت تقرير الطبيب الشرعي إلى أن إصابات رضا ناتجة من ضربه بآلة حادة
2- تقريباً، كذلك وجدت كدمة زرقاوية اللون قاتمة مستديرة الشكل من الناحية الأمامية للركبة اليسرى”.
يلفت هذا التقرير إلى أن إصابات رضا ناتجة من ضربه بآلة حادة، وأن ذلك جرى قبل أسبوعين من تحرير التقرير، وهنا نلفت إلى أنه جرى توقيف رضا في 3/1/ 2008، أي قبل أسبوعين بالتحديد من صدور التقرير.
نقرأ في تقرير الطبيب الصادر في 8 نيسان 2009، أنه لا يوجد ظفر في الإصبع الثالث من اليد اليمنى، وأنه يشكو من أوجاع في الكاحل الأيسر، ومن آلام في ركبته اليمنى وقد وُجد عليها ازرقاق بطريقة بيضاوية، وهناك بقعة دائرية زرقاوية سوداوية تحت الركبة اليسرى. ويضيف التقرير إنه من الضروري أن يخضع رضا للصور بالرنين المغناطيسي والكاحل الأيسر.
بعد نحو أربعين يوماً، وتحديداً في 27/5/ 2009، خضع رضا للفحص المطلوب، وجاء في تقرير ثانٍ لطبيب شرعي، حُرر في 5/6/2009، وبناءً على التداول الأخير مع طبيب أشعة، تبيّن أن رضا “يشكو من تورم وانتفاخ في الكاحل الأيسر... ويلزمه علاج فيزيائي، ويشكو خاصةً من تمزق في غلاف مفصل الركبة اليُمنى... وأن هذه الحالة تستدعي بدايةً عملية جراحية بالمنظور في الركبة اليمنى، ومن بعدها علاجاً فيزيائياً”.
بتّ هويّة قاتل الخطيب من اختصاص المحكمة بالطبع، ومن يقرأ أوراق التحقيق فستلفته بعض الاختلافات بين شهادات رجال الأمن. ومن النقاط المثيرة للتساؤل ما يتعلق بشريط فيديو بخصوص حركة الدخول إلى بنك في شتورة والخروج منه صباح يوم الجريمة، إذ إن المتهم يقول إنه كان موجوداً فيه بناءً على طلب والدته، فيما القرص الذي تمتلكه المحكمة فارغ (!)، والاطّلاع على أوراق القضية، يلفت إلى وجود إفادة من البنك جاء فيها "... رداً على طلبكم... نرسل إليكم ربطاً شريط تسجيل فيديو عدد 2 العائد إلى فرعنا ليوم السبت الموافق فيه 22/12/2007 من الساعة الصفر لغاية الساعة الثانية عشر ظهراً، حيث إن التاريخ والتوقيت الواقعيّين ظاهران في التسجيل”.
قانونيون متابعون لهذه القضية تساءلوا أيضاً كيف يتولى التحقيق خلال فترة التوقيف الأولى قاضٍ من أقارب الضحية؟
لماذا تعرّض رضا للتعذيب؟ لماذا ما زال بعض المحققين أو العاملين معهم يلجأون إلى أساليب التعذيب لأخذ إفادات موقوفين؟
قبل نحو عام نشرت “الأخبار” ملفاً عنوانه “الموقوفون فراريج عند الشرطة”، ونُقل فيه عن أحد الضباط “كنا نستخدم «البالانكو» و«الفرّوج»». ويؤكّد “أن هذين الأسلوبين في التعذيب خلال التحقيق لا يزالان يُستخدمان في عدد كبير من المفارز القضائية».
ونقل الملف عن ممثلي منظمات حقوق الإنسان «لا يزال التعذيب والمعاملة السيئة مشكلة جسيمة داخل مراكز الاحتجاز اللبنانية»، ودعت تلك المنظمات في حينه إلى إعداد خطة وطنية تضمن حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بالكامل. وأوصت القضاء بأن يحقّق في قضايا المعاملة السيئة والتعذيب. وأن يرفض كل الأدلة والاعترافات التي تُنتزع بالإكراه.
وكان القاضي المنفرد الجزائي في بيروت هاني الحجار قد أصدر في 8/ 3/ 2007 ما عُرف بحكم “الفروج”، وهو أو حكم في تاريخ لبنان يدين تعذيب موقوف. وكان موقوف قد اشتبه بجرم سرقة منزل في بدارو، قد ادعى على أحد رجال الأمن (ج. ر.) الذي تولى التحقيق معه.
جاء في الحكم الذي أصدره الحجار ضد رجل الأمن ج. ر. “... حيث يتبيّن من تقرير الطبيب الشرعي أن المدعي تعرض للعنف وللضرب الشديد، وآثار الصدمات والكدمات ما زالت بادية على جسمه...”، وصدر حكم بالسجن 15 يوماً على ج. ر. وبتغريمه مبلغاً قدره ثلاثمئة ليرة، وبإلزامه بدفع مبلغ ستمئة ألف ليرة للمدعي بمثابة عطل وضرر.
يجدر التذكير بأن الحكومة اللبنانية وقّعت في 22 كانون الأول 2008، البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الأممية.


... من وقائع الجلسة

من جمعتهما السياسة فرقتهما المحكمة، النائبان نقولا فتوش وبطرس حرب في قاعة واحدة، يرافعان في قضية واحدة، الأول للدفاع عن ورثة القتيل، والثاني للدفاع عن المتهم.
ترأست الجلسة القاضية هيلانة اسكندر، ونفى رضا محمد تيمور محمد ما ورد في محاضر التحقيق الأولي لأن ثمة اقوالاً أدلى بها تحت التعذيب، ولأن بعض المحاضر لا تتطابق مع ما قاله.
استُجوب عدد من الأشخاص، منهم رجال أمن حضروا إلى مسرح الجريمة أو شاركوا في التحقيق مع رضا وفي تفتيش منزله وغرفة الكروم التي تخصه، كما استجوب مختصون من مختبرات تحليل الـDNA، وظهر تباين بين ما أفاد به مستجوبون وما ورد في محاضر رجال آمن آخرين تتعلق بالقبعة التي وجدت في مكان الجريمة وتلك التي اعتمرها رضا خلال جلسة تحقيق معه.
وكان من اللافت أن شهادة أحد رجال الأمن تضمنت عدداً من التناقضات، واختلفت مع ما ورد في محاضر تحقيقات حرّرها رجال أمن آخرون.