انتقلنا من الأولويات إلى الكماليات• سنبقى نثير مشكلة محطة الكهرباء
• النسبية تضرّ القرى الصغيرة وقد تكون مفيدة في المدن

أجرتها: مهى زراقط
عندما ترشح نهاد نوفل إلى الانتخابات البلدية عام 1963، كان حريصاً على ممارسة عمله بشغف الراغب في ترك بصمة. اليوم، بعد 46 عاماً، يدرك رئيس بلدية زوق مكايل ورئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح أنه أنجز المهمة وترك البصمة، من دون أن تنطفئ جذوة شغفه بالعمل العام
لا يشعر الداخل إلى الغرفة الواسعة التي يشغلها رئيس بلدية الزوق بأي غرابة في وضعية المكتب الذي يجلس إليه الرجل. لكن الأمر يصبح جديراً بالاهتمام عندما يقول نهاد نوفل إن هذه الوضعية اختارها رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، خلال إقامته القصيرة في القصر البلدي للزوق عام 1976. منذ ذاك التاريخ، يحافظ المكتب على الوضعية ذاتها، ويفاخر نوفل بأنه يجلس إلى مكتب جلس عليه رئيس الجمهورية. لكنه ليس الأمر الوحيد الذي يجعله يشعر بالفخر بل مجموعة الإنجازات التي حققها حتى خلال الحرب الأهلية. هو لا يحتاج إلى الحديث عنها، فكلّ زائر للزوق يمكنه أن يلاحظها بدءاً من الشوارع المزيّنة بالأشجار، الورود والتماثيل مروراً بالسوق العتيقة والمسرح المبني على الطرز الروماني وصولاً إلى القصر البلدي والمركز الثقافي الملاصق.

وماذا بعد؟
ــــــ الأفكار لا تنتهي. حالياً، نفكر في مشاريع توفر الرفاه للمواطنين بعدما انتهينا من إنجاز الأساسيات. منذ استلمنا البلدية عام 1963 وضعنا سلّم أولويات ورحنا نعمل بالتدريج لإصلاح البنية التحتية، الطرق، الكهرباء، المجارير. يعني شوي شوي، إلى أن وصلنا اليوم إلى مرحلة أنجزت فيها البنية التحتية كلها ضمن تصميم توجيهي جديد يأخذ بعين الاعتبار الاستملاكات التي قامت بها البلدية، وخصوصاً أن الزوق كانت عبارة عن زواريب وسّعناها لتصبح كما هي اليوم. أما الآن، فنحن نفكر في البنية الفوقية، أي الثقافة، الحضارة، التاريخ. لذلك نعمل على إنجاز بيت الثقافة والشباب، ونحاول أن نخلق من خلاله حياة يومية كما فعلنا عبر السوق العتيقة وسوق المشاة. يعني نحن اليوم نفتش في الكماليات لا في الأساسيات التي أنجزت كلها تقريباً.

كيف يمكن النجاح في تحقيق إنجازات كهذا في ظل العوائق المعروفة عن حساسيات القرى؟
ــــ أهم ما يجب القيام به لتحقيق النجاح هو التوافق. يمكنني القول إني وُفّقت، منذ عام 1963 إلى عدم إصدار أي قرار عن المجلس البلدي للزوق من دون الموافقة عليه بالإجماع. الأكثرية ممنوعة لأنها تسبب الانقسام لاحقاً، لذلك نحرص على حصول إجماع. وكذلك الأمر بالنسبة إلى اتحاد بلديات كسروان الفتوح الذي يضم 51 قرية، القرارات كلها التي صدرت عنه منذ تأسيسه عام 1977 إلى اليوم كانت بالإجماع.

وهل الإجماع أمر يمكن تحقيقه بهذه السهولة؟
ــــ بالتأكيد كانت هناك عوائق محلية، مثل الخلافات العائلية والسياسية الموجودة في القرى كلها. نحن سعينا إلى تجاوزها على قاعدة مصلحة الزوق أولاً. أتذكر عندما استلمت مهمتي عام 1963 أن الزوق كانت مقسومة إلى منطقتين، تحت العين وفوق العين. كل واحدة لها لونها السياسي الخاص. وكان الأهالي يطلق بعضهم على بعض أوصافاً مثل «حنَيْكرية» أو «سنغالية». وكان هناك طرف يحمل زعاماته على الراحات، فيما يحملهم الطرف الآخر على الأكتاف. هذه الأمور كانت تسبّب مشاكل. من خلال التوافق والعمل لمصلحة الزوق أزلنا ما يمكنه أن يسبب خلافات، وسعينا لجعل الوفاق هو الحل ومعاملة المواطنين كافة بمساواة. الآن، انتهينا مما يفرّق، الكلّ يعمل في السياسة التي يريدها، لكن عندما نصل إلى الضيعة ومصلحتها يصبح هدفنا واحداً.

كنت في الـ25 عندما ترشحت إلى الانتخابات البلدية، ما الذي دفعك إلى ذلك، وهل تشجع الشباب اليوم على خوض الانتخابات؟
ــــ أنا في الأساس عندي عشق لقريتي وتراثها وللعمل الإنمائي. الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الأمور هي الانخراط في العمل العام. وكنت أعي منذ البداية أنه لا يمكن أن أحقق طموحي إلا إذا عملت وفق قاعدة «لا للسياسة نعم للإنماء». وقد عملت وفق هذه القناعة خلال الحرب أيضاً. أتذكر أنه خلال عملية بناء السوق العتيقة سقطت قذيفة في الزوق وتوفي 5 عمال واستمررنا على الرغم من ذلك. أما بالنسبة إلى الشباب فأنا أشجعهم طبعاً، كما أن مجلسنا البلدي يضمّ عدداً من الشبان، وقد ألّفنا لجان أحياء في البلدة لكي نعرف رأي الناس وحاجاتهم ونمشي على أساسها. عندنا نحو 14 لجنة أحياء، ينقلون حاجاتهم وتطلعاتهم في أحيائهم لكي تكون هناك مشاركة في القرار وممارسة ديموقراطية سليمة.

قلت إن الأساسيات أنجزت، لكن الزوق تثير دوماً مشكلة التلوّث الناجم عن وجود محطة الكهرباء فيها.
ــــ نعم، هذه المشكلة مزمنة ونحن في معركة مع الدولة من أجل نقل المحطة من الزوق إلى الشمال. لقد التقينا رئيس الحكومة ورئيس مجلس الإنماء والإعمار وقدّمنا لهما ملفاً كاملاً بالأضرار الناجمة عن التلوّث. وناقشنا اقتراح نقل المحطة إلى الشمال حيث تملك مؤسسة كهرباء لبنان الأرض وإمدادات الغاز المنجزة، وذلك لتحويل إنتاج مولداتها إلى الغاز. وقد سألت رئيس الحكومة خلال اللقاء ثلاث مرات إذا كان يوافق على الاقتراح وقال نعم، لكن الظروف السياسية حالت دون ذلك. أعتقد أن هذا الحل جيد، وخصوصاً أن أمواله متوافرة في حال بيع قطعة من الأرض التي تملكها الدولة في الزوق، مع وجود الكثير من الراغبين في الشراء. الآن، نحن ننتظر الحكومة الجديدة وسنضغط من أجل تحقيق هذا المطلب من خلال اللقاءات أولاً، ولو عبر الدعوة إلى تحرك شعبي لأنه لا يجوز أن تستمر هذه المشكلة.

تطالبون أيضاً بوضع قصر عماطوري، أو القصر الجمهوري، على لائحة الجرد العام؟
ــــ نعم، هذا المنزل تاريخي ونحن نرغب في تصنيفه، وخصوصاً أن لا إمكانية لدينا لاستملاكه. فقد أقام فيه الرئيس فؤاد شهاب واستضاف في الثلاثينيات مفتي فلسطين محمد أمين الحسيني، كما أقام فيه الدكتور داهش. ونحن نأمل أن يُحافَظ عليه قبل هدمه.

لا شك في أنك تتابع النقاشات الدائرة حول إصلاح قانون البلديات.
ــــ نعم، وأعتقد أن قانون البلديات عندنا هو أهم قانون على صعيد اللامركزية الإدارية لكنه يحتاج إلى بعض التعديلات الطفيفة.

مثل ماذا؟
ــــ أهم شيء إلغاء الرقابة المسبقة على عمل المجلس البلدي.

ماذا عن النسبية؟
ــــ في الحقيقة، أنا لست معها. النسبية لا تجعل التوافق في إطار المجلس البلدي ممكناً. كلنا نعرف حساسيات القرى والخلافات العائلية. قد يصبح هم إحدى العائلات عرقلة عمل عائلة أخرى بهدف إفشالها. التوافق أهم شروط العمل البلدي التنموي.

لكن كثيرين يرون في النسبية تطوراً نحو الأفضل، وخصوصاً إذا أقرّت لاحقاً في الانتخابات النيابية.
ــــ أنا مع النسبية في الانتخابات النيابية، وقد تكون جيدة في الانتخابات البلدية، لكن في المدن الكبيرة فقط. ولا أعتقد أنها مجدية في القرى الصغيرة. في فرنسا مثلاً تنتخب المجالس البلدية على أساس النسبية، لكن المواطن هناك متمرّس في العمل العام، أخشى أن اللبنانيين ليسوا مؤهلين بعد لممارسة الانتخابات على صعيد النسبية.

لمناسبة الحديث عن القرى الصغيرة، كيف تقيّم استحداث المزيد من البلديات في القرى الصغيرة؟
ــــ أعتقد أنهم يزيدون البلديات سريعاً، وكأنهم يصدرون قراراً كلّ يوم. في رأيي هذا أمر غير جيّد. البلدية الصغيرة تمثّل عبئاً على الدولة وعلى الناس أيضاً. فمردودها المالي لا يسمح لها بتحقيق إنجازات ملحوظة، إضافة إلى أنها ستفرض ضرائب جديدة على الناس من دون أن تؤمن لها خدمات في المقابل لأن الإنفاق سيذهب على الأمور الإدارية لا الاستثمار. إن إنشاء بلدية جديدة يفترض القيام بدراسة جدوى قبل ذلك ومعرفة ما إذا كانت قابلة للحياة، هل فيها موارد ذاتية؟ هل يمكنها تأمين واردات؟

هل تمثّل اتحادات البلديات حلاً؟
ــــ نعم، هي جيدة للقرى الصغيرة التي لا تتيح لها إمكاناتها توفير الخدمات، علماً بأن دورها الأبرز هو تبادل الخبرات.

هناك اقتراح لانتخاب رئيس البلدية من الناخبين مباشرة، هل توافق عليه؟
ــــ طبعاً. أنا مع انتخاب الرئيس مباشرة، وقانون عام 1977 كان ينص على ذلك قبل تعديله عام 1997 لكي تستطيع القوى السياسية الضغط والمجيء برئيس البلدية الذي تريده. يعني مجلساً بلدياً بأعضاء محدودين يمكن الضغط عليه وفرض الرئيس، لكن الأمر أصعب عندما يكون الناخبون هم أهل القرية كلّها. كما هناك إضافة ثانية غير مستحبة على القانون وهي السماح بطرح الثقة بالرئيس كل 3 سنين. هذا يجعل رئيس البلدية تحت المراقبة، ولا يتطابق مع اللامركزية الإدارية. لذلك أنا أصرّ على أن يكون الانتخاب مباشراً لتقوية موقع رئيس البلدية.

هناك ضمن الاقتراحات من يطالب بإعادة وزارة الشؤون البلدية والقروية، ما رأيك؟
ــــ لا أحبّذ هذه الخطوة لأنهم سيتسلون فينا في الوزارة عوض مساعدتنا. التجربة القصيرة التي عشناها في بداية التسعينيات لم تكن ناجحة. إذا سألتني رأيي أنا مع دمج البيئة، البلديات والتنظيم المدني في وزارة واحدة. إذا فكرت في الأمر قليلاً فستجدين هذه الشؤون مترابطة، لا أجد سبباً يجعل التنظيم المدني في يد وزارة الأشغال العامة، فهذا شأن تتولاه البلديات.

هل من اقتراحات أخرى؟
ــــ هو ليس اقتراحاً لكنه تذكير بأمور ينساها الجميع في قانون البلديات، وهي المتعلقة بالموجّه البلدي والملاحقات التأديبية. إذ يفرض القانون على وزير الداخلية توجيه البلديات وتدريبها للقيام بمهماتها. وينص القانون على الملاحقة التأديبية إذا أخلّ من يتولى السلطة التنفيذية في البلدية بواجباته وسبّب إهمالاً وتقصيراً سبّب ضرراً بمصالح البلدية.