طرابلس ــ عبد الكافي الصمد «لا جدوى من وضع قوانين إذا لم ترافقها قناعات وخطوات لتطبيقها». تكرّرت هذه العبارة على لسان أكثر من مشارك في المؤتمر الدولي الذي عُقد في طرابلس على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان «اللامركزية في الشرق الأوسط»، واختتم مساء أول من أمس.
تعكس هذه العبارة مخاوف رؤساء البلديات اللبنانية من عدم تطبيق القانون، وهم أكثر من يدرك قدرة الحكومة على تجاوزه من خلال تجربتهم مع قانون البلديات الذي أفقدته قرارات الحكومة وتعاميمها الكثير من فعاليته كما جاء على لسان رئيس بلدية طرابلس السابق سامي منقارة. وقد وافق وزير الداخلية والبلديات زياد بارود خلال الجلسة الختامية للمؤتمر على هذه الملاحظة حين أكد أن «السلطة التنفيذية أخذت بيد ما أعطته السلطة التشريعية للبلديات».
لهذا، ربما، ركزت أغلب الكلمات والمداخلات التي وردت على لسان المحاضرين في ورش العمل الست التي احتضنها المؤتمر على الجانب الإنمائي للامركزية، وعلى أنها إدارية بحتة وليست سياسية. لكن الأمر لم يخل من إثارة «أسئلة قلقة»، مثل تلك التي وردت في مداخلة الأمين العام المساعد لمنظمة المدن العربية الكويتي أحمد العدساني. فقد لفت إلى وجود «اتهامات كثيرة توجه إلى اللامركزية، منها أنها كانت، لتفلّتها، أحد أسباب الأزمة المالية العالمية، وأنها كانت في المجال السياسي سبباً لتعزيز الانتماءات المناطقية القبلية والطائفية على حساب الانتماء الوطني».
طرحت رئيسة بلدية بعقلين نهى الغصيني على رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم الذي يشارك في إعداد مسودة قانون عن اللامركزية، عما إذا كان القانون سيحلّ مشكلة التضارب في الصلاحيات بين مجالس القضاء والبلديات واتحادات البلديات، وهل سيتمكن جهاز إداري منتخب أن يواجه نواباً انتخبوا في القضاء نفسه؟
إجابة غانم جاءت عمومية، وكأنها غير مرتبطة بالواقع اللبناني، إذ قال: «النواب مهمتهم تشريعية لا خدماتية مثل تأمين نقلة زفت أو تعقيب معاملة! أما بالنسبة لتضارب صلاحيات البلديات واتحاداتها مع مجالس القضاء فحسم هذا الموضوع واضح، لأن البلديات تهتم بالبلدات والقرى، أما مجلس القضاء فيعنى بشؤون القضاء كله!».
هذا الحوار بين الغصيني وغانم هو أحد التحديات التي يواجهها إقرار قانون اللامركزية، الذي يرى بارود أنه من المبكر المباشرة بصياغته قبل الإجابة عن نحو 100 سؤال ينوي أن يطرحها على جميع المعنيين بالشأن البلدي. كما اقترح أن تؤلّف لجنة من رؤساء البلديات للمشاركة في اجتماعات لجنة الإدارة والعدل النيابية.
أسئلة المؤتمر حملت أيضاً هواجس تطرحها السلطات المركزية التي ترى في «تخفيف قبضتها أمراً يؤدي إلى الفساد والتجاوزات»، وهذا ما ردّ عليه رئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري قائلاً: «الفساد في البيروقراطية المركزية أشد من الفساد في البيروقراطية المحلية، كما أن هناك فوقية في تعاطي السلطات المركزية مع البلديات، وتنظر إليها على أنها قاصرة في تولي مهماتها»، معتبراً أنه «رغم أن اتفاق الطائف نصّ منذ 20 عاماً على تطبيق اللامركزية الإدارية، فقد مورست خلال هذه الفترة كل أنواع إلغاء اللامركزية، إذ يبدو أن لا رغبة عند الطبقة السياسية في إعطاء شرعية للبلديات، واعتبارها إدارات وليست سلطات محلية لا تمتلك عناصر السلطة».