لماذا تبحث معظم الدول اليوم عن تعزيز اللامركزية الإدارية؟ سؤال غاب عن محاضرات وورش عمل المؤتمر الدولي الذي عقد في طرابلس على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان «اللامركزية في الشرق الأوسط». ربما، لأن الإجابة تبدو بديهية للمشاركين، وكلّهم من المتمرّسين في عمل السلطات المحلية. لكن المراقب من الخارج لا يمكنه عدم طرحه، وخصوصاً مع الأهمية الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لهذا الموضوع، والتي تجلّت في خطاب القسم أولاً، ثم في كلمته الافتتاحية للمؤتمر يوم السبت الفائت. طبعاً من دون أن ننسى أن اللامركزية واردة في اتفاق الطائف، جنباً إلى جنب مع الإنماء المتوازن... وهذه إحدى إشكاليات أي قانون للامركزية يمكن أن يصدر: إذ كيف سيتم التوفيق بين الإنماء المحلي المطلوب من السلطة اللامركزية تحقيقه، والإنماء المتوازن الذي يفترض أن تضطلع به السلطة المركزية؟
لكن هذه ليست إلا واحدة من الإشكاليات، التي أكد وزير الداخلية والبلديات زياد بارود أنه يعيها، وذلك في الجلسة الختامية للمؤتمر. بل هو عرض جملة من التحديات التي تواجه تحقيق اللامركزية معلناً إعداد وثيقة عمل يفترض أن تناقش مع المعنيين تمهيداً لصياغة مشروع قانون.
ذلك كله من دون أن يتضح للمتابع السبب الموجب الذي يشجع على اعتماد اللامركزية في لبنان. بالعكس، إن حجم المشاكل والعوائق التي عبّر عنها المشاركون تكاد تجعل من الأجدى غض النظر عن هذه المسألة، إذ يكفي اللبنانيين مواضيع تسبّب انقسامهم.
كان الأمر يحتاج إلى مداخلة من ماسيمو توسكي، وزير مقاطعة للسلام والتعاون في توسكانا ـــــ إيطاليا، ينتقد فيها سيطرة المشاكل التقنية على موضوع يفترض أنه إنساني بالدرجة الأولى. نسمعه يقول: «لم تقاربوا الموضوع من حيث كونه ثقافة سياسية. اللامركزية ليست أمراً تقنياً، ومن خلال تجربتي يمكنني القول إن اللامركزية تعزّز المصالحة بين أبناء الوطن الواحد».
الدقائق الثلاث التي التزم بها توسكي لم تتح له شرح ما يريد قوله، لكن دردشة جانبية معه أتاحت له تقديم تعريف مختلف للسياسة هو: «البحث عما يريده الناس الحقيقيون». نضيف: وتحقيق هذه الحاجات. السياسة ليست حكومة لم يعد اللبنانيون يعرفون إذا كانت موجودة أم لا. السياسة هي الطريق، المستشفى، المدرسة، الثقافة... كلها حاجات لم تنجح السلطة المركزية في توفيرها، أما اللامركزية، فلكي تنجح عليها أن تبدأ من تحت.
انطلاقاً من هذا الوعي تنطلق «بلديات» اليوم، على أن تكون على موعد أسبوعي، صباح كل أربعاء، مع المواطنين والمعنيين بالشأن البلدي والعام.
م. ز.

تفتح «بلديات» الباب أمام المواطنين والمهتمين بالشأن البلدي لنشر آرائهم وشؤونهم وذلك من خلال مراسلة «الأخبار» مباشرة أو عبر البريد الالكتروني: [email protected].