بعد اكتمال التحقيقات، تُبدي النيابة العامة التمييزية المطالعة في الأساس» (المادة 364 قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وها قد اكتملت التحقيقات في جريمة التفجير الذي أدى إلى استشهاد عشرة عسكريين وثلاثة مدنيين في طرابلس، فتقدم القاضي سعيد ميرزا بمطالعة بالأساس تبعها بعد يومين صدور القرار الاتهامي. في النصّ الآتي ملاحظات وأسئلة وتساؤلات
عمر نشّابة
وزّع مكتب النائب العام لدى محكمة التمييز الذي يشغل أيضاً منصب النائب العام العدلي بحسب القانون، القاضي سعيد ميرزا يوم الجمعة الفائت (16 تشرين الأول) نصّ «مطالعة بالأساس» في قضية التفجير الذي وقع في طرابلس في 13 آب من العام الماضي (2008). إذ إن الجريمة عُدّت اعتداءً على أمن الدولة الداخلي، وبالتالي أحالها مجلس الوزراء على القضاء العدلي (بموجب المرسوم الرقم 91 تاريخ 22 آب 2008).
نصّ المطالعة تطلّب قراءة دقيقة استدعت التوقف عند بعض الامور الشكلية من جهة، وأمور أخرى تخصّ المضمون من جهة ثانية. كذلك استدعت خلاصة مطالعة القاضي ميرزا اقتراح خلاصة عملية في سبيل تحقيق العدالة عبر المؤسسات القضائية، وطبقاً لمقتضيات النصوص القانونية المعتمدة محلياً وإقليمياً ودولياً.
صدر أول من أمس (20 تشرين الأول) القرار الاتهامي بحق 35 شخصاً اشتُبه بارتكابهم الجريمة، وبدا واضحاً اعتماد قاضي التحقيق العدلي مضمون مطالعة النائب العام وخلاصتها. كرّر صاري بالتالي ما ورد في مطالعة ميرزا، وأضاف فقرات استدعت أيضاً التوقف عندها وطرح بعض الأسئلة.

تجاوز قانون حماية الأحداث

ينصّ القانون اللبناني: «يحظّر نشر صورة الحدث ونشر وقائع التحقيق والمحاكمة أو ملخصها في الكتب والصحف والينكا، وأية وسيلة إعلامية أخرى، ويكون نشر الحكم النهائي على أن لا يذكر من اسم المدعى عليه وكنيته ولقبه إلا الأحرف الأولى. كل مخالفة لهذه الأحكام تعرّض المخالف لعقوبة السجن من ثلاثة أشهر إلى سنة، وللغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة أو لإحدى هاتين العقوبتين» (المادة 48 من القانون 422/2002).
القاضي ميرزا وزميله القاضي صاري كرّرا في نصي المطالعة والاتهام اعتمادهما القانون 422 (حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر) غير أن اسم ع. ع. س. س. «والدته ن. مواليد 1/4/1994. لبناني، قاصر، أوقف وجاهياً بتاريخ 1/11/2008 وأخلي سبيله بتاريخ 5/5/2009».
اللافت في الأمر لا يقتصر على تجاوز المادة الـ48 بوضوح عبر نشر المطالعة والاتهام على وسائل الإعلام والوكالة الوطنية للإعلام، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ إن القاضيين يذكّران حرفياً أن ع. ع. س. س. قاصر، وبالتالي يُستغرب توزيعهما نصّاً يتضمن اسمه الكامل على وسائل الإعلام. في ذلك ما يستدعي القلق على سلامة تطبيق القانون، وخصوصاً أن القرار الاتهامي لم يخلص إلا إلى الظنّ بالقاصر المدعى عليه المذكور بجنحة (القرار الاتهامي صفحة 88).
على أي حال، إن نصَّي المطالعة والاتهام يعدّدان أسماء سبعة أشخاص «قاصرين»، بينما جميعهم من مواليد 1991 و1992، ما يعني أنهم بلغوا سنّ الرشد أخيراً. وقد تُفَهم إضافة «قاصر» إلى جانب أسمائهم، وذلك استدراكاً بأنهم متهمون بارتكاب جريمة عندما كانوا قاصرين، وبالتالي ـــــ كما ورد في خلاصة القرار الاتهامي ـــــ تكون المواد القانونية التي تُعتمد لاتهامهم «معطوفة على القانـون الرقم 422 لجهة المدعى عليهم القاصرين».

إن نصّي المطالعة والاتهام يتضمنان أسماء شهود وأشخاص ليسوا في عهدة الدولة اللبنانية، وبما أنه لا وجود لبرنامج حماية الشهود في لبنان، فإن ذلك قد يثير القلق على أمن هؤلاء وسلامتهم، إذ إنهم أدلوا بمعلومات تخصّ نشاطات إرهابية.

اعتماد أسلوب إنشائي في نصّ قضائي

ورد في القرار الاتهامي أنه «بنتيجة التحقيق تبيــن ما يلي: (...) أطل على الناس محبي الحياة المعتدلين والمؤمنين والحريصين على كرامة الإنسان، جيل من الانتحاريين المخدرين بأفكار زرعت لديهم حب الموت عوضاً عن حب الحياة، ففجروا وعذبوا وأبادوا شباباً وأفراداً، باسم الشرائع والدين، وهما منهم براء» (صفحة 11).
وهنا نسأل: هل التحقيق الجنائي هو الذي بيّن أن كلّ الذين أطلّ عليهم «جيل من الانتحاريين» هم من «محبي الحياة المعتدلين والمؤمنين والحريصين على كرامة الإنسان»؟. ألم يطلّ ذلك «الجيل» على غيرهم من البشر؟ وهل القاضي صاري توصّل إلى أن من بين دوافع التفجير والتعذيب والإبادة «حب الموت عوضاً عن حب الحياة»؟، وبما أن الأمر بحسب القرار الاتهامي يتعلّق بالعواطف، فهل استشار قاضي التحقيق العدلي خبراء وأطباء في علم النفس؟ وإذا كان الأمر يتعلّق بـ«جيل من الانتحاريين»، فهل المقصود صنف من الناس؟ وهل استشار قاضي التحقيق العدلي خبراء في علم الاجتماع؟
أضاف القاضي صاري في الصفحة 14: «وظنّ المدعى عليهما (جوهر والقفيل) أنهما بهذا التفجير ينتقمان لرفاقهما من قتلى وجرحى فتح الإسلام في نهر البارد. وينصران قضية الموت على حب الحياة، ويمنعان مسيرة الوطن المنتصر دوماً على الظلام والظلاميين. ولكن أنّى لهما ذلك؟».
قبل السؤال عن سبب طرح قاضي التحقيق العدلي سؤالاً في نصّ يفترض أن يتضمّن اتهاماً قضائياً، لا بدّ من التسجيل أن من يقرأ النصّ بمهنية قد يستخلص أن في ملف التحقيق محضر استجواب يقول فيه المدعى عليهما، على نحو مباشر أو غير مباشر، إنهما «ينصران قضية الموت على حب الحياة». أما في ما يخص ديمومة الانتصار على «الظلام والظلاميين»، فهذا أمر لا علاقة له بالأدبيات القانونية وبالأصول المهنية والعلمية.
ورد في المطالعة في الأساس أن «يوم 13/8/2008 كان يوماً من أيام لبنان الحزينة، صبيحة ذلك اليوم اعتدت يد الغدر والفتنة على مدينة طرابلس واغتالت بفعلها جنوداً ومدنيين» (صفحة 8). وهنا نسأل: من يحدّد «أيام لبنان الحزينة»؟ هل هي وظيفة القضاء؟ ألا يفترض أن يعتمد القضاة على النصّ القانوني دون غيره من المراجع الوجدانية ولو كانت وطنية وشعبية وصادقة؟

تجاوز قانون تنظيم قوى الأمن

ينصّ القانون اللبناني أن كلّ شعبة من شعب هيئة الأركان في قوى الأمن الداخلي تجزّأ إلى عدّة فروع يتولى رئاسة كلّ منها ضابط (المادة الـ8 من المرسوم الرقم 1157/1991) وتعدّد تلك المادة عشر شعب من بينها «ب ـــــ شعبة الخدمة والعمليات، وتضمّ: فرع الخدمة والعمليات، وتتبع له غرفة عمليات تكون بإمرة ضابط يساعده عدد من الضباط، فرع المعلومات، فرع شؤون السير، فرع السجون، ـ فرع البريد». ولا ذكر في القانون لـ«شعبة المعلومات» على الإطلاق في قانون أصول المحاكمات الجزائية. ولم تصدر أية تعديلات على القانون تشير إلى استحداث «شعبة المعلومات». كذلك، إن قانون أصول المحاكمات الجزائية (2001) ينصّ على أنه: «يساعد النيابة العامة، ويعمل تحت إشرافها في إجراء وظائف الضابطة العدلية (...) المدير العام لقوى الأمن الداخلي وضباط قوى الأمن الداخلي والشرطة القضائية والرتباء

يرتكز جزء كبير من التحقيقات التي
اعتمدها القاضيان ميرزا وصاري على «شعبة المعلومات» رغم عدم قانونيتها

يُستغرَب توزيع القضاة نصّاً على وسائل الإعلام يتضمن اسم ظنين قاصر رغم تجريم نشر ذلك في القانون

بما أن الأمر بحسب القرار الاتهامي يتعلّق بالعواطف، فهل استشار قاضي التحقيق خبراء وأطباء في علم
النفس؟

العاملون في القطاعات الإقليمية ورؤساء مخافر قوى الأمن الداخلي». ولا ذكر لـ«شعبة المعلومات»، بينما ورد في مطالعة القاضي ميرزا أنه «فور وقوع الحادث انتقل قاضي التحقيق الأول العسكري ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية إلى مسرح الجريمة (...) وسطّر استنابات إلى كل من قائد الشرطة العسكرية ورئيس مكتب مكافحة الإرهاب والمديرية العامة لأمن الدولة والمديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش ـــــ أركان الجيش للعمليات والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـــــ شعبة المعلومات ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني لإجراء الاستقصاءات والتحريات اللازمة» (صفحة 9).
ويعتمد جزء كبير من التحقيقات التي اعتمدها القاضيان ميرزا وصاري على «شعبة المعلومات»، إذ «توصلت شعبة المعلومات لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعد قيامها بالاستقصاءات إلى نتيجة مفادها أن عدة أشخاص موزعين على مناطق شمال لبنان يشكلون خلية مرتبطة بخلية أخرى منتشرة ما بين مخيم عين الحلوة ومخيمي شاتيلا والبداوي» (مطالعة ميرزا).
وورد في القرار الاتهامي: «قامت عناصر من شعبة المعلومات بدهم منزل ذوي المدعى عليه محمد عزام الكائن في محلة جبل البداوي»، وورد أنه «في سياق التحقيق مع المدعى عليه محمد عزام من قبل عناصر شعبة المعلومات، أفاد بأن الورقة التي ضبطت بحوزته المدون عليها رسوم ورموز تتعلق بإعداد وتجهيز عبوات وتفجيرها» (صفحة 18).
كذلك ورد في نصّ المطالعة في الأساس أن عناصر من شعبة المعلومات «قامت بدهم منزل ذوي المدعى عليه محمد عزام الكائن في محلة جبل البداوي. وبنتيجة تفتيش المنزل ضبط من داخله أجهزة هواتف خليوية وجهاز كمبيوتر وكاميرات تصوير وفلاش ذاكرة «ميموري» وأقراص مدمجة وأشرطة فيديو وشرائح خطوط هاتفية وبطاقات هواتف وكتب دينية ومنشورات تتعلق بتفجيرات طرابلس» (صفحة 9). واللافت في ذلك اعتبار «كتب دينية» من بين المضبوطات من دون توضيح السبب، وذلك في نصّ وُزِّع على وسائل الإعلام. ألا يعتقد المسؤولون القضائيون أن ذلك قد يثير مشاعر بعض اللبنانيين؟

معلومات ناقصة تثير أسئلة

ورد في مطالعة الرئيس ميرزا: «تم مداهمة منزل شقيقة عبد الغني جوهر زوجة علاء محرز الكائن في محلة التبانة ـــــ طرابلس، فلم يتم العثور على عبد الغني جوهر بداخله لأنه قد فرّ إلى جهة مجهولة قبل وصول العناصر التي قامت بالمداهمة» (صفحة 12). ولم يشير النصّ إلى سبب فرار جوهر قبل وصول العناصر، ولم يذكر لأي مؤسسة أمنية يعود «العناصر التي قامت بالمداهمة» وإذا كان قد فُتح تحقيق بالأمر. وورد أيضا أنه في «سياق التحقيق مع المدعى عليه جمال الرفاعي من شعبة المعلومات، أفاد بأنه عنصر في قوى الأمن الداخلي، وقد تعرف على الشيخ المدعى عليه طارق مرعي الذي أخبره أن العاصمة قد تتعرض لاحتلال شيعي، ومن بينها المراكز العسكرية كافة، وخاصة ثكنة المقر العام وثكنة فردان (بربر الخازن) وراح يستقر منه عن موقع المديرية بشكل مفصّل ومن ثم أحضر ورقة بيضاء وطلب منه أن يرسم خطيطة أولية لثكنة وأبنية المقر العام، وقد لاحظ أن لديه معلومات دقيقة بشأن وضع مدخل ومخرج وأبنية المقر العام، الأمر الذي دفعه لسؤاله عن مصدر معلوماته، فأجابه بأن لديه شقيقاً بالرضاعة يدعى المعاون باكير يخدم في سنترال المبنى القديم للمقر العام» (صفحة 20).و اللافت أن نصّ المطالعة، كما نصّ الاتهام، لا يذكران معلومات عن مركز الرفاعي في قوى الأمن، ولا يوجد حتى ذكر لرقمه العسكري أو للضابط المسؤول عنه، وإذا كان القضاء قد استمع إلى إفادته بخصوص نشاط الرفاعي المشبوه. إذ كان قد تبين للقاضي صاري أن «المدعى عليه جمال الرفاعي قد قام برسم خطيطة للمقر العام لقوى الأمن الداخلي وخطيطة لثكنة بربر الخازن في فردان، وهو عنصر في قوى الأمن الداخلي، بناءً لطلب المدعى عليه الشيخ طارق مرعي، وقام بتسليمها إليه» (صفحة 84 من القرار الاتهامي).
على أي حال، هناك معلومات أخرى بدت للقراء ناقصة وأثارت أسئلة. إذ ورد في المطالعة بالأساس «وأفاد (محمد) أن شقيقه عبد الغني أخبره أن أبو وائل المدعى عليه خالد الجبر ينتسب إلى فتح الإسلام ويقوم بتوزيع أموال غير معروف مصدرها». (صفحة 13 وكرّر نصّ الاتهام تلك العبارات في الصفحة 26). وهنا أيضاً لم يذكر النصان إذا كان قد فُتح تحقيق لكشف مصدر الأموال التي كانت توزّع.


بين الاتهام السياسي والاتهام القضائي

إضاءة

خلاصات ميرزا وصاري تستدعي تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في 22 نيسان 1997، وقّع وزراء الداخلية والعدل العرب على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. وبما أن النصين الرسميين اللذين صدرا أخيراً عن القضاء اللبناني يشيران إلى نشاط لمجموعات إرهابية عبر حدود بلدين عربيين وقّعا على الاتفاقية، يفترض تفعيلها، إذ تنصّ الاتفاقية على «تعاون الدول المتعاقدة لمنع الجرائم الإرهابية ومكافحتها، طبقاً للقوانين والإجراءات الداخلية لكل دولة، من خلال الآتي:
أولاً ـــــ تبادل المعلومات:
1 ـــــ تتعهد الدول المتعاقدة بتعزيز تبادل المعلومات في ما بينها بشأن:
أ ـــــ أنشطة وجرائم الجماعات الإرهابية وقياداتها وعناصرها وأماكن تمركزها وتدريبها ووسائل ومصادر تمويلها وتسليحها وأنواع الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي تستخدمها، وغيرها من وسائل الاعتداء والقتل والدمار.
ب ـــــ وسائل الاتصال والدعاية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية وأسلوب عملها، وتنقلات قياداتها وعناصرها، ووثائق السفر التي تستعملها.
2 ـــــ تتعهد كلّ من الدول المتعاقدة بإخطار أية دولة متعاقدة أخرى، على وجه السرعة، بالمعلومات المتوافرة لديها عن أية جريمة إرهابية تقع في إقليمها تستهدف المساس بمصالح تلك الدولة أو بمواطنيها، على أن تبيّن في ذلك الإخطار ما أحاط بالجريمة من ظروف والجناة فيها وضحاياها والخسائر الناجمة عنها والأدوات والأساليب المستخدمة في ارتكابها، وذلك بالقدر الذي لا يتعارض مع متطلّبات البحث والتحقيق.
3 ـــــ تتعهد الدول المتعاقدة بالتعاون في ما بينها لتبادل المعلومات لمكافحة الجرائم الإرهابية، وبأن تبادر إلى إخطار الدولة أو الدول الأخرى المتعاقدة بكل ما يتوافر لديها من معلومات أو بيانات من شأنها أن تحول دون وقوع جرائم إرهابية على إقليمها أو ضد مواطنيها أو المقيمين فيها أو ضد مصالحها.
4 ـــــ تتعهد كلّ من الدول المتعاقدة بتزويد أية دولة متعاقدة أخرى بما يتوافر لديها من معلومات أو بيانات من شأنها:
أ ـــــ أن تساعد في القبض على متهم أو متهمين بارتكاب جريمة إرهابية ضد مصالح تلك الدولة، أو الشروع أو الاشتراك فيها، سواء بالمساعدة أو الاتفاق أو التحريض.
ب ـــــ أن تؤدي إلى ضبط أية أسلحة أو ذخائر أو متفجرات أو أدوات أو أموال استخدمت أو أعدّت للاستخدام في جريمة إرهابية».