رامي زريقلم يأت المؤتمر العالمي للغذاء الذي عقد أخيراً في روما بمناسبة اليوم العالمي للغذاء بأي جديد. فقد أعاد المحاضرون اجترار الوقائع والمفاهيم القديمة وذكّرونا بأن هناك اليوم مليار إنسان على وجه الأرض (أي هناك شخص واحد من بين كل 6 أشخاص) يعانون سوء التغذية أو من الجوع. ويبدو أن هناك مقاربتين مختلفتين للتعامل مع هذه المأساة. الأولى هي تعزيز قدرات المجتمعات الريفية لتمكين صغار المنتجين، وخاصة في البلدان الفقيرة من المساهمة الفعلية في سد الفجوة الغذائية. وهذا سيتطلّب إعادة بناء منظومات محلية دمرتها السياسات الاقتصادية والسوقية التي فرضتها البلدان الغنية. أدت هذه السياسات إلى واقع عبثي متمثّل في أن صغار مزارعي أفريقيا ذات الأراضي الخصبة، يعتمدون اليوم على استيراد غذائهم. أما المقاربة الثانية فهي التسليم بالواقع الحالي والتوجه نحو المزيد من عولمة المنظومة الغذائية والتعامل مع الغذاء على أنه سلعة تخضع لشريعة السوق ولقانون العرض والطلب. ترتكز هذه المقاربة على استغلال الموارد المتاحة من ماء وتربة ونبات وحيوان وعمل صناعي لإنتاج أكبر كمية ممكنة من الغذاء بأرخص الأسعار بهدف إشباع جشع عالم يترفّه كل يوم أكثر فأكثر، ويؤدي إلى حالة عبثية أخرى، وهي إصابة الفقراء الذين يعانون سوء التغذية بأمراض الشرايين والقلب وتلك المتعلقة بالتخمة كالسكري. وأهم معالم هذه الزراعة الصناعية السوقية أنها تضع كل غذاء العالم بيد حفنة من الشركات العملاقة التي تسيطر على الغذاء كما على البذور وغيرها. وتحتاج هذه المقاربة إلى استثمارات واسعة وإلى وضع اليد على أراض كان يحرثها مزارعون صغار يصبح مصيرهم التشرد أو الاستغلال الوقح في مزارع عملاقة احتلت الأرض التي كانت يوماً ملاذهم الوحيد.