كارول كرباجالمشرف على العمل، م. م. الجنسية، سورية. مكان العمل بلدة طاريّا البقاعية. عدد الأولاد 22. عدد الزوجات 2، أم علي وأم حسين. نوع العمل قطف تبغ وشكه. مالك الأرض لبناني. أما العمّال، فالزوجة، أم علي، وثمانية أولاد، والربح اليومي 30 إلى 40 ألف ليرة لبنانية لعائلة من زوج وزوجتين و22 «نفراً»!
استقبلنا م. ببسمة ترحيب، ملحاً علينا بالدخول. حوله أولاد من عمر العشرة أشهر إلى 18 سنة. العائلة تسكن في خيمة مصنوعة من جذوع الشجر والقماش الخام المغلف بأكياس الخضار، ومحاطة بحفرة لدرء الأمطار عنها في الشتاء. حدثنا مضيفنا عن نوع العمل الذي يقوم به هو وأسرته: قطف الدخان وشكه (أوراق التبغ). صاحب الأرض يدفع لهم على خيط الدخان، الذي يتجاوز طوله متران ويستغرق شكه نحو ساعتين من الوقت، 1000 ليرة لبنانية فقط! من يقوم بهذا العمل؟ يجيبنا «زوجتي أم علي و8 من أولادي الكبار أساساً، لكن هيدي الصغيرة أحياناً بتشك»، مشيراً بيده إلى طفلته التي لا يتجاوز عمرها السنوات الأربع. نسأله كم خيطاً يشك يومياً. فيجيب بابتسامة عريضة، في الوقت الذي تضع زوجته أمامنا فناجين القهوة، «أنا ما إلي جلد شك، أنا براقب العمل وبتعامل مع صاحب الملك بس». صاحب الملك يأتيه الدخان يابساً، مكبوساً وملفوفاً بقطعة قماش من الخام تحمّل 25 كيلو. باختصار، جاهز للبيع. يربح في الموسم الواحد نحو مليون ليرة ربحاً صافياً، يسدد 500 ليرة منها فقط ثمن ساعات العمل المرهقة لعمّال سوريين، فيخفّض بالتالي من كلفة الإنتاج ويضاعف نسبة أرباحه. يرفع عن كاهله كل مخاطر العمل، فهو غير مسؤول عن إصابة أحد عماله بحادث عمل، بحجة أن «سوريا قريبة وبإمكانه أن يتطبّب هناك»!
لكن، إلى جانب استغلال صاحب الأرض، الذي يملك وسائل الإنتاج، لعمّاله الذين يبيعون قوة عملهم، يقع الاستغلال أيضاً داخل العائلة وفق المنطق البطريركي. أم علي، التي يثقل وجهها التعب، لا تزال خدودها من لون الورد بينما تغطي نصف شعرها كوفية حمراء، تتحدث عن ظروفها: أم حسين في سوريا مع باقي الأولاد، لذلك، عليها منفردةً أن تهتّم بتربية 12 ولداً، ثلاثة منهم أعمارهم تقلّ عن 4 سنوات. عليها طبعاً أن تطبخ وتنظف وأن تشّك 5 خيوط تبغ يومياً، أي أن توفّق بين دورها الإنجابي ودورها الإنتاجي، في الوقت الذي يختصر عمل الأب على الإشراف على عملها وعمل أولاده والتعامل مع صاحب الملك، أي قبض أتعابهم.
وفيما يستفيض الأب في انتقاد صاحب العمل الذي يستغلّه هو وأسرته ليزيد من أرباحه ويراكمها، لا يدرك أنه، بدوره، يستغل زوجته وأبناءه. هذه هي باختصار رحلة تصنيع السيجارة الوطنية، التي يشتريها الفقير بدوره.