أكثر من 7 آلاف دعوى أمام قاضي التحقيق في قصر عدل بعلبك، فضلاً عن مئات الدعاوى الأخرى التي ينظر فيها قضاة آخرون، إضافة إلى قضايا متنوعة يشكوها الجسم القانوني والقضائي في منطقة تحتاج إلى عناية قضائية خاصة تسرّع بتّ الملفات المتراكمة
عفيف دياب
أكثر من مراجعة سياسية وقضائية وقانونية أجراها معنيون باستتباب العدل في قصر عدل مدينة بعلبك، فجميع المراجعات في هذا الإطار لم تجد آذاناً صاغية من الجهات الحكومية المعنية التي لم تكلّف نفسها عناء القيام بزيارة استطلاعية للقصر المستأجَر منذ عدة سنوات، وغير المؤهل لأن يكون قصراً للعدل. يلفت محامون في بعلبك ومنطقتها إلى أن وزارة العدل لم تُول قصر العدل في المدينة أهمية قصوى، ويضيفون: «البدء بتشييد قصر للعدل يلبي احتياجات المنطقة». ويوضح المحامي شعلان سليمان، قائلاً إن «مليارات الليرات دُفعت من الخزينة خلال السنوات الماضية كبدلات إيجار لمبنى قصر العدل في بعلبك». ويضيف المحامي الشاب أن «الأموال التي دُفعت كانت كفيلة بتشييد أكثر من قصر للعدل، لكن لا أحد في الدولة اللبنانية يفكر بوقف الهدر المالي المستمر منذ عقود وعقود. وهذا الهدر مرشح للتفاقم مع ارتفاع وتيرة التقاعس الرسمي ـــــ وحتى الأهلي ـــــ في إيجاد الحلول الآيلة إلى الحفاظ على المال العام وممتلكات الدولة».
سليمان يتحدث بجرأة، فيما يفضّل زملاء له عرض المشاكل دون ذكر أسمائهم. محام شاب آخر، هاله ما رأى من أحوال القصر، يقول إن «تأخر وزارة العدل في البدء بتشييد قصر للعدل في بعلبك، يسهم بشكل أو بآخر في تدهور الوضع القانوني العام في المنطقة»، ويضيف متسائلاً: «كيف لا يمكن أن يضم حرم قصر للعدل صندوقاً للمالية؟ فهذا الصندوق يبعد حوالى كيلومتر عن المبنى الأم... تخيل وضعنا في فصل الشتاء؟».
مع بدء السنة القضائية في 15 تشرين الأول الجاري، اعتصم محامون أمام قصر عدل بعلبك، تحدثوا في مذكرة لهم عن الآثار السلبية لقلة عدد القضاة في قصر العدل، والمشاكل التي يعانونها. القصر مشيّد ضمن الحرم الأثري للمدينة (!) حيث يمنع البناء، وهو يعاني نقصاً فادحاً في عدد القضاة، وهذا النقص ناجم عن ترهل الجسم القضائي على الصعيد الوطني العام، وغياب المعايير القانونية والقضائية التي جرت خلال التشكيلات القضائية الأخيرة، وفق ما يؤكد قانونيون. فقد عُيِّن القاضي المنفرد المدني السابق في قصر عدل بعلبك، عضواً في محكمة الاستئناف المدنية والجزائية، ما جعل بتّ الدعاوى التي أُصدرت فيها أحكام قضائية أمراً شديد الصعوبة، بل مستحيلاً، وهذا الخلل عرقل ويعرقل بتّ العديد من ملفات الاستئناف. يقول محامٍ من أبناء بعلبك إنه في «التشكيلات القضائية عُيّن قاض واحد للتحقيق في قصر عدل بعلبك، لكنه تنحّى عن النظر في العديد من القضايا بسبب تراكم الدعاوى، إضافة إلى أنه من أبناء المنطقة. هكذا نُقلت دعاوٍ إلى قصر عدل زحلة للنظر فيها، ما سبّب مخالفة للصلاحية المكانية، وهذا ما أثار موجة من الاعتراض القانوني دفع بالجهات المعنية إلى تعيين قاضي تحقيق ثانٍ منتدب للمساعدة (القاضيان الأصيل والمنتدَب من منطقة بعلبك، وهذه مخالفة قانونية). القاضي الناظر في قضايا الإيجارات هو قاضٍ مدني واحد ينظر في الأحوال الشخصية، والمالية، والعقارية، والأمور المستعجلة، والتنفيذ في بعلبك ودير الأحمر، ما يطرح مروحة واسعة من الأسئلة التي تتمحور جميعها حول سرّ أسرار التشكيلات القضائية وما أصاب قصر عدل بعلبك من إجحاف أصاب القانون إصابات قاتلة».
يقول محامون من بعلبك: «لم تُعتمد معايير مهنية في التشكيلات القضائية الأخيرة المتعلقة بقصر عدل بعلبك، وصولاً إلى قصور العدل الأخرى، ما أدى إلى افتضاح أمر التقصير الرسمي والحسابات السياسية في القضاء الذي يجهد لكي يبقى بعيداً عن التأثيرات السياسية في بلد تتحكم فيه العوارض الطائفية والمذهبية والمحسوبيات». ويضيفون أن «الغرفة الابتدائية في بعلبك تنظر كل أول خميس من كل شهر بالقضايا والملفات المتراكمة، وإذا كان صاحب القضية مستعجلاً، فعليه أن يستعين بموظف في قصر العدل لينقل له الملف إلى قصر عدل زحلة ليتسنى للقاضي النظر فيه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القاضي نفسه ينظر في بعلبك وزحلة». ينتقد محامو المنطقة بشدة تقاعس الدولة عن تعيين محام لها في قصر عدل بعلبك (15 محامياً للدولة في كل لبنان) في دعاوى الأحوال الشخصية وغيرها من القضايا، ويلفتون إلى أن الدولة اللبنانية جددت لكل محاميها في لبنان «ما عدا بعلبك، وهذا ما يؤدي إلى تراكم الدعاوى العالقة منذ أكثر من سنتين، جراء عدم وجود محام للدولة اللبنانية». تثير هذه المسألة الكثير من علامات الاستفهام، بل ثمة من يسأل عن سر، إذ لا يجوز أن تبقى الدولة متجاهلة الدفاع عن نفسها «فتراكم ملفات الأحوال

قاضٍ مدني واحد ينظر في الأحوال الشخصية، المالية، العقارية، والأمور المستعجلة، والتنفيذ في بعلبك ودير الأحمر
الشخصية أمام القضاء أصبح أمراً محرجاً»، وفق محامٍ مخضرم يؤكد قائلاً: «إننا نشهد انهياراً لمؤسسات الدولة، فالفوضى عارمة في كل شيء، والرشى أصبحت تقليداً لبنانياً منذ بدايات القرن الماضي. نأمل ألّا تصل هذه الفوضى إلى القضاء اللبناني الذي لم يزل يحافظ على نزاهته وهيبته رغم كل محاولات الطبقة السياسية للنيل منه». يتابع المحامي بأسى: «نحن في بعلبك ـــــ الهرمل نعاني نقصاً كبيراً في الجسم القضائي، ولا يمكن أن تترك الأمور على غاربها أو أن تتفاقم نحو الأسوأ. فعلى وزارة العدل الإسراع في حل مشاكل قصر عدل بعلبك، وهي مشاكل تتعلق بالشكل وبالمضمون». ويختم محدثنا كلامه وهو يكرر أسفه لعدم التزام الموظفين في قصور العدل عامة، وفي قصرَي زحلة وبعلبك على وجه الخصوص، بمواعيد عملهم الرسمي. «فبعض القضاة يصلون إلى عملهم عند السابعة والنصف صباحاً ولا يغادرون قبل الرابعة من بعد الظهر، بينما ثمة موظفون لا يصلون إلى المكاتب قبل العاشرة صباحاً ويغادرون بعد انتصاف النهار بساعة. هذا السلوك يمثّل مفارقة غريبة وعجيبة في مؤسسات قانونية».
يلفت عدد من المحامين في بعلبك ومنطقتها إلى أن ثمة قاضيين يتوليان النظر في الدعاوى المقدمة أمام النيابة العامة الاستئنافية في بعلبك «فيما عدد الملفات كبير جداً ولا يمكن أن تبقى مكدسة إلى أجل غير معلوم». ويضيف المحامون: «أكثر من 7 آلاف دعوى أمام قاضي التحقيق في قصر عدل بعلبك، وعلى الدولة إصدار عفو عام عن جرائم معينة، وتحديداً جرائم زراعة المخدرات، لا الاتجار بها، وتلك التي لا تمس الحقوق الشخصية، أو الإسراع في دعم قصر عدل بعلبك بعدد من القضاة والمساعدين القضائيين تمهيداً لبتّ مختلف القضايا والدعاوى العالقة أو المتراكمة التي تؤجّل من موعد إلى آخر».


استراحة الصيف...

تتعطل الأعمال القضائية في قصر عدل بعلبك صيفاً، كل القضايا ينظر بها في قصر عدل زحلة حيث تكون المناوبة القضائية.
يجري تسجيل الملفات في بعلبك، ثم يتم نقلها إلى زحلة.
يرى المحامي شعلان سليمان أن الإسراع في تنفيذ قانون محافظة بعلبك ـــــ الهرمل والمراسيم والتعاميم الخاصة بها، وتشييد قصر للعدل حديث ورفع عدد القضاة والموظفين، تسهم في حل مشاكل قضائية تعانيها المنطقة، ويندر الحديث عنها في وسائل
الإعلام.
ويوضح المحامي سليمان أن مبنى قصر العدل في بعلبك غير مؤهل نهائياً، ففيه مركز من غرفتين للمحامين في الطابق الأرضي إضافة إلى طبقتين غير مجهزتين بما يليق بقصر للعدل. يلفت سليمان إلى أن المحامين المسجلين في جدول نقابة المحامين ببيروت ويقيمون في منطقة بعلبك ـــــ الهرمل «لا يتجاوز عددهم 86 محامياً».