لم يقتنع أهل زينب السرغاني بأن تكون أنفلونزا «أيه أتش 1 أن 1» سبباً لوفاة ابنتهم، رغم تأكيدات الفحوص المخبرية وإصابة إمرأة أخرى من المنطقة نفسها بعوارض المرض. ويبدو أنّ الوباء بدأ يتطور بسرعة مع تسجيل إصابات في صفوف تلامذة بعض المدارس ، في ظل ضعف الثقة بين المواطنين والمؤسسات الصحية التي لم تعرف استعداداتها لمواجهة المرض
عفيف دياب ــ أسامة القادري
في وقت أثارت فيه وفاة المواطنة زينب الدنا السرغاني من بلدة حارة الفيكاني جدلاً بشأن سبب الوفاة، نقلت إلى المستشفى الحكومي في بيروت سيدة بقاعية أخرى حامل في شهرها السادس من مستشفى رياق العام في البقاع على أثر إصابتها بعوارض أنفلونزا «آيه اتش1 أن 1». ويشرح مدير مستشفى رياق الدكتور محمد عبد الله لـ«الأخبار» أنّ اكتشاف الإصابة الجديدة جاء إثر إجراء الفحوص اللازمة للمريضة، ليتم عزلها في ما بعد في غرفة داخل المستشفى الحكومي. أما بالنسبة إلى السرغاني، فقد نفى عبد الله المعلومات التي تناقلها أهل المتوفاة عن أنّ الوفاة لم تكن ناتجة من إصابتها بـ«أنفلونزا الخنازير». ثم إنّ المستشفى لم تتأخر، بحسب عبد الله، في إعلام وزارة الصحة بحالة السرغاني و«قد قمنا بكل الإجراءات المطلوبة طبياً». وما اكتشاف الإصابة الثانية في البقاع، برأيه، سوى مؤشر على وجود المرض في المنطقة.
وكانت وفاة السرغاني قد أثارت لغطاً لدى ذويها بشأن أسباب وفاتها الحقيقية، فأعلنوا شكوكهم في مؤتمر صحافي عقدوه أمس. ونفى شقيق المتوفاة رضا الدنا أن يكون شخصياً قد خضع لأي فحوص، علماً بأنّه رافق شقيقته إلى مستشفى رياق ومن ثم إلى مستشفى بيروت الحكومي، و»لم يُحجر عليها صحياً كما أشيع».
وأشار الدنا إلى «أنّ تسليمهم الجثة في مستشفى بيروت الحكومي حصل بعد الوفاة بربع ساعة، ما يثير قلقنا من أن وفاة شقيقتي لم تكن بسبب الأنفلونزا، بل نتيجة الإهمال».
أما والد المتوفاة علي الدنا فحمّل مستشفى رياق المسؤولية عن وفاة ابنته. وقال إن «الإهمال الطبي بدأ من مستشفى رياق، وانتهى في مستشفى بيروت الحكومي. ففي رياق لم تشخّص أسباب الإصابة بالوعكة الصحية التي ألمّت بابنتي». وتعهّد علي الدنا بـ«تشريح الجثة على حسابه الخاص لمعرفة أسباب الوفاة»، داعياً الرؤساء الثلاثة إلى «التدخل السريع لكشف ملابسات وفاة ابنتي وملاحقة هذه القضية حتى جلاء الأسباب الحقيقية للوفاة».
بدورهما، أكد وزير الصحة ووزارة الصحة ظهور سلسلة إصابات بوباء «أنفلونزا الخنازير». وقالت إنّها «تبلغت بتاريخ 24 الجاري وصول امرأة بحالة موت سريري إلى طوارئ مستشفى بيروت الحكومي الجامعي، كانت قد أحيلت من أحد مستشفيات البقاع بعد إصابتها بقصور رئوي حاد». وكون المتوفاة في الثلاثين من العمر، حاملاً في شهرها الثامن، تقصّت الوزارة على الفور عن ملابسات الحالة وراجعت ملفها الطبي في المستشفى الأساسي وحصلت على عيّنات كانت قد أخذت منها قبل الوفاة وبعدها وأخضعتها للتحليل المخبري الذي أظهر الإصابة بالأنفلونزا الجديدة.

«الآي سي»: تدبير احترازي

أما في مدرسة الأنترناشيونال كولدج أو «الآي سي»، فكان التكتم الشديد سيد الموقف، إذ رفضت إدارة المدرسة إعطاء أية معلومات بشأن قرارها المتعلق بإقفال صفوف المرحلة المتوسطة على أثر ظهور عوارض أنفلونزا «أيه أتش 1 أن 1» بين تلامذة هذه المرحلة. بل إنّ السيدة عفاف طبنجي من مكتب رئيس المدرسة جون جونسون أصرت على إحالتنا إلى موقع المدرسة الإلكتروني على شبكة الإنترنت حيث شرح الرئيس للطلاب وأهاليهم «حقيقة ما يجري».
وعلى ما يبدو، فاجأ الحضور الصحافي إدارة المدرسة فمُنع المصورون من التقاط الصور من الداخل، وقال لهم أحد الموظفين: «إما أن تأخذوا الصورة من الخارج أو أحاول أن أطلب لكم إذناً من الإدارة». لكنّ الموظف ذهب ولم يعد.
في الداخل، راحت الإدارة تفتّش التلامذة لمعرفة ما إذا كانت بحوزتهم «كمامات» لمصادرتها منهم قبل الانصراف منعاً لتصويرهم. التلامذة شكوا من عدم السماح لهم بوضع «الكمامة» قي قاعة الدرس، بينما لم يسرِ هذا القرار على المعلمين «بيخافوا على حياة المعلمين وما بيخافوا على حياتنا».

تعهّد والد السرغاني بتشريح الجثة على حسابه لمعرفة أسباب الوفاة
بدا الخوف عند بعض الأهالي الذين أعلنوا أنّهم لن يرسلوا أولادهم حتى لو لم تتخذ المدرسة قراراً بالتعطيل، بينما لم يكترث البعض الآخر واكتفى بالتعليق: «ما في شي».
من جهة ثانية، تابعت وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري القضية فكلفت المدير العام للتربية فادي يرق زيارة المدرسة للوقوف على أوضاعها بعد تسجيل الإصابات.
وأوضح المدير العام أنّه اطمأنّ ومنسقة برنامج الصحة المدرسية في الوزارة نينا لحام التي رافقته في الزيارة إلى أنّ المدرسة تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة من خلال طبيب المدرسة، كما تأكدا من أن الدروس تعطى للتلامذة المتغيبين عبر الإنترنت، و«أنّ الوضع طبيعي، وبالتالي لا داعي للهلع لأنّ التعطيل في الصفوف المتوسطة مدته أربعة أيام فقط كإجراء احترازي وقائي يهدف إلى عدم انتشار المرض في الصفوف الأخرى».
وتبلغت الوزيرة أنّ المدرسة تعمل بصورة طبيعية وهي تضم 3400 تلميذ، وأنها اضطرت إلى تعطيل الصفوف نتيجة تسجيل 19 إصابة في المرحلة المتوسطة، بعضها من تلامذة وافدين من الخارج وبذلك يكون عدد المتغيبين قد لامس 450 طالباً.
أما جونسون فقال في رسالته على الموقع الإلكتروني: «تتابع المدرسة عن كثب تأثير الأنفلونزا، كما تأخذ الإدارة بنصائح السلطات الطبية المحلية وتوجيهات مركز مراقبة الأمراض (سي دي سي)».
وأضاف: «حرصاً على صحة أبنائنا، سنقفل صفوف المرحلة المتوسطة من الثلاثاء 27 الجاري (اليوم) حتى الأحد 1 تشرين الثاني، على أن يعود التلامذة الاثنين. وسنطلب منهم أن ينجزوا فروضاً منزلية». ووعد جونسون الأهالي بإعلان عدد التلامذة المصابين تباعاً «كي تبقوا في الصورة».