الموقوفون في قضايا ينظر فيها المجلس العدلي ينتظرون تأليف الحكومة حتى تُستأنف جلسات المحكمة، ويُحدّد مصيرهم. لكن هذا التأخير يزيد من معاناة عوائل هؤلاء الموقوفين، ويلفت مجدداً إلى تفاقم التأثيرات السلبية لأهواء أهل السياسة
بيسان طي
أول من أمس، أحال وزير العدل إبراهيم نجار على مجلس الوزراء، مشروع مرسوم يتعلّق بتعيين أعضاء لدى المجلس العدلي، الذي ينظر في قضايا مهمّة، منها “قضية الزيادَين”. أوردت الوكالة الوطنية هذا الخبر، وفي الفقرة الثانية جاء أن دخول هذا المرسوم حيّز التنفيذ “يرتبط بتأليف الحكومة وموافقتها”.
إنها مسألة قضائية تتنظر التوافق السياسي لترى النور، هذا ما نستنتجه في قراءة أوّلية للخبر، ولا نتنبّه إلى أن ما بين السطور يخفي معاناة إنسانية، معاناة الموقوفين في قضايا ينظر فيها المجلس، أولئك الذين يقبعون خلف القضبان في انتظار أن يتوافق السياسيون، وتنتهي “لعبة الأمم” التي تتحكّم في تأليف الحكومة اللبنانية، وهي قصة عوائل هؤلاء الموقوفين: الأمّهات والأولاد والزوجات والإخوة، الذين يتسمّرون أمام شاشات التلفزيون منتظرين تأليف الحكومة، ليس أملاً في تحسّن أوضاع البلاد والمعيشة، بل لكي يعيَّن القضاة الجدد.
“عندما تتألّف الحكومة يُستأنف النظر في قضيتكم، قالها لنا أخيراً رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، لم أفهم، بصمت بكيت، انهمرت دموعي غصباً عني، كنت أعتقد أن التحقيق سيسير أخيراً، تعبت ولم أعد أملك المال كي أزور زوجي الموقوف منذ أكثر من عامين في رومية”، ترتجف السيجارة في يد زوجة ص. د.، تحبس الغصّة صوتها، لا تفهم ما علاقة تأليف الحكومة بالتحقيق في القضية التي اشتهرت بـ“قضية مقتل الزيادَين”.
أربعة موقوفين يقبعون منذ 26 نيسان 2007 خلف القضبان في انتظار أن يكتمل التحقيق معهم في تهمة “إخفاء معلومات” وتواطؤ مع قاتلي زياد غندور وزياد قبلان. من المفترض أن تُعقد جلسة تحقيق مع الموقوفين في 30 من الشهر الجاري، لكن من المرجّح أن تُرجأ هذه الجلسة، وذلك لأن تعيين قضاة بدل القضاة المحالين على التقاعد لن يجري إن لم تؤلّف الحكومة، ما سيسهم في تأخير التحقيق في القضية، وبتّ مصير الموقوفين.
أمس، زارت “الأخبار” زوجةُ الموقوف ص.د. ووالدةُ الموقوف م. ص، وعرضتا قضية الموقوفين الأربعة، وكانت السيدتان تكرّران بحَيرة “لماذا تُربط قضيتنا بتأليف الحكومة؟ ألأننا فقراء نُهمَل ولا نجد من يسمع صوتنا؟”.
تجدر الإشارة إلى أنه جرى توقيف عدد كبير من المشتبه بتورطهم في القضية، وأُخلي سبيل غالبيتهم، ثم أُخلي العام الماضي سبيل موقوفين بعد صدور القرار الاتهامي، لبيقى الموقفون الأربعة، وهم من بيروت والشوف بغالبيتهم. يتحدّث ذووهم عن براءتهم، ولكن قضية الاتهام أو البراءة رهن بقرار المحكمة، وبجلسات التحقيق التي يبدو أنها لن ترى النور إلّا إذا ولدت الحكومة، وهذه الولادة عسيرة... بل شبه مستعصية.
تنقل الأمّ عن ولدها الموقوف تعرّضه لأشكال متنوّعة من التعذيب، ومنها الضرب المبرّح
والدة الموقوف م.ص. تخاف أن تُطرد من عملها البسيط، تقول إنها تضطر إلى طلب الإجازات بطريقة متكرّرة كي تزور ابنها الموقوف في رومية، وتضيف إن الراتب الذي تحصل عليه بالكاد يكفي “كي أشتري له الأكل والشرب”، تتحدث عن غرف السجن غير الصحيّة، وتضيف إنها اضطرت أخيراً إلى أن تشتري له الماء كي يستحمّ “ماء السجن لونه أصفر، يؤدّي إلى أمراض جلدية، اشتريت له المراهم والأدوية، إنه يعاني الروماتيزم والحساسية”. “نريد أن نعرف الحقيقة” تردّد السيدتان، الأولى تشكو من انقطاع راتب زوجها منذ توقيفه “وفي غياب المدخول المالي اضطرت ابنتي إلى التوقّف عن الدراسة، تعبت وشقيت حتى نالت البكالوريا، وحلمت معها بيوم تدخل فيه إلى الجامعة” تقول زوجة ص.د.
تتذكر والدة م. ص. “خفافيش الليل الذين وصلوا عند الواحدة، كنا نياماً، قالوا إنهم من فرع المعلومات، “دفشوا” الباب، صرخ زوجي في وجوههم فرموه أرضاً، ولما وقف الابن الأصغر ليسأل عن أخيه وضعوا المسدس في رأسه، منذ ذلك الحين انقلبت حياة ذلك المراهق، لم يعد يكترس للدرس ولا للأكل ولا للحياة كلها”.
تنقل الأم عن ولدها الموقوف تعرضه لأشكال متنوّعة من التعذيب، ومنها الضرب المبرّح.
إضافةً إلى المعاناة الإنسانية التي تنتج من تأجيل بتّ القضية، فإن أهالي الموقوفين يشكون من تعاطي الإعلام مع قضيتهم، يغضبون وهم يكرّرون أسماء إعلاميّين وإعلاميات أذاعوا أسماء أبنائهم باعتبارهم مجرمين مشاركين في قتل الزيادَين، “استبقوا نتائج التحقيق، نسوا أن المتهم بريء، لم يطّلعوا على أوراق القضية”، تتحدث زوجة ص.د. بغضب شديد، تتذكر “بعد توقيف زوجي والآخرين لم نعرف عنهم شيئاً، سمعنا من التلفزيون أنهم موقوفون في قضية مقتل الزيادَين، أُوقفوا لأنهم يعرفون أشقاء ابن شمص، الذي قُتل يوم أحداث الجامعة العربية”.
أهالي الموقوفين يردّدون أنه خلال لقاءات مع شخصيات قانونية وخبراء متابعين درسوا الملف، أكد لهم هؤلاء أنه مع تعيين جلسات التحقيق سيجري إخلاء سبيل الموقوفين.


متى تُعدّل المادة 108؟

ماذا لو تبيّن أن الموقوف بريء من التهم الموجّهة إليه؟ من يعوّض له الأيام التي قضاها خلف القضبان وهو ينتظر انتهاء التحقيق؟ يردّد المعنيون بحقوق الإنسان هذا السؤال، ويطالب القانونيون بتحديد مدة للتوقيف. ففي لبنان، قد يقبع الموقوف سنتين أو ثلاث سنوات، أو ربما أكثر من ذلك بكثير، قبل أن يصدر الحكم في حقّهم، وفي بعض الأحيان تثبت براءتهم. في 1 أيلول الماضي، أحال وزير العدل ابراهيم نجار على رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون لتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية 2001، على أن تلغى الفقرة الثانية من المادة وتُستبدل بالنص الآتي: “ما خلا حالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلّل”.


لقطة

في 8 نيسان 2007 عثرت القوى الأمنية على جثتَي زياد غندور وزياد قبلان في بلدة جدرا، وذلك بعد مرور نحو أربعة أيام على اختفائهما، وجّهت أصابع الاتهام إلى أشقاء عدنان شمص الذي قتل في 25 كانون الثاني 2007 على خلفية الأحداث التي انطلقت من الجامعة العربية في بيروت. خلاف بين طلاب جامعيّين عكس الانقسام السياسي والطائفي في لبنان. خرج عن إطار التلاسن والتضارب بالأيدي، فاستُعملت فيه الأسلحة. رصدت كاميرات محطات التلفزة وجود قنّاصين على سطوح مباني في محيط الجامعة. وتدخّلت قوى من الجيش للسيطرة على الخلاف. سُمّي ذلك النهار “الخميس الدامي”، ولم تقتصر تأثيراته في محيط الجامعة، فعدنان شمص قُتل في منطقة وطى المصيطبة وقد كان عائداً من عمله إلى منزله.