أمس، أمضى أكثر من أربعين طالباً وطالبة من الجامعة اللبنانية ـــ الدولية نحو ثلاث ساعات في قصر عدل زحلة بهدف الاطّلاع عن قرب على عمل القضاء اللبناني. زيارة خرجوا منها بانطباع سيئ
البقاع ــ عفيف دياب
«لم أكن أتوقع أن يكون العمل في قصر العدل بدائياً إلى هذه الدرجة ولا علاقة له بالتطور التقني»، يقول الطالب علي القاروط الذي خرج بانطباع شبه سلبي عما رآه خلال جولته الميدانية مع رفاقه في أروقة قصر عدل زحلة، حيث «تستقبلك أعقاب السجائر وفناجين القهوة والنفايات المتناثرة بين الزوايا. فهو مكان يضجّ بالفوضى والعجقة وقلة التنظيم» كما يصفه، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك كله، وجدت فيه شويّة قانون وقضاة يدافعون عن قضايا الناس رغم تراكم الملفات التي كانت مكدسة أمام القاضي خلال إحدى الجلسات». هذه الملفات القضائية في قصر عدل زحلة، كما في بقية قصور العدل في لبنان، توقفت عندها الطالبة راية مهنا التي شعرت بالرهبة لحظة دخولها إلى قصر العدل، حيث «كان المشهد مخيفاً لحظة اجتيازي نقطة التفتيش العائدة لقوى الأمن. ولكن أكثر ما صدمني خلال حضوري إحدى الجلسات هو أن القاضي كان يؤجّل النظر بالملفات التي أمامه إلى أوائل شهر شباط المقبل، وهو موعد بعيد، بالإضافة إلى أنه غير مؤكد. فلا شيء مضمون وهذه الملفات قد تؤجل في حينها إلى موعد آخر». وتتابع الصبية «لقد شعرت أن القاضي يعاني من تعب كبير جراء تراكم الملفات»، سائلة: «لماذا لا يكون هناك عدد أكبر من القضاة للنظر في الملفات والدعاوى القضائية بصورة سريعة حتى يبقى القاضي مرتاحاً ذهنياً؟»
هذا السؤال أو الاستفسار أوجب على الطالب رضوان السيد أن يقدم مقارنة بين عمل القضاء اللبناني ونظيره في دولة الإمارات العربية، حيث أقام لفترة مع أسرته، «لا أدري لماذا لا تطبّق المكننة في قصور العدل في كل لبنان؟ لقد خرجت حزيناً لأنني لمست فعلاً أن العمل القضائي في لبنان لم يزل بدائياً، والملفات تتراكم يوماً بعد يوم، فإلى متى سيبقى لبنان بعيداً عن الحكومة الإلكترونية؟ ففي محاكم دبي لا توجد قضايا على الورق، بينما شهدت في قصر عدل زحلة ما يثير الاستغراب والقلق من مستقبل العمل القانوني والقضائي». انطباع الطالب السيد الذي لم يجد إيجابية واحدة خلال زيارته قصر عدل زحلة بعدما شعر بالظلمة المخيّمة على أروقة القصر جراء انقطاع التيار الكهربائي، شاركه فيه رفيقه محمد عكاشة الذي لاحظ فور دخوله إلى قصر العدل الكمّ الكبير من أعقاب السجائر المرمية عشوائياً مع فناجين القهوة في زوايا الغرف وطبقات المبنى «عدا عن تراكم الأوساخ الأخرى، ومكاتب الموظفين الصدئة والمهترئة»، كما يشير إلى أنه «لاحظت وجود لافتات تؤكد منع التدخين، ولكن أكثر ما لفتني هو عناصر قوى الأمن الذين يدخنون علناً، حتى أمام غرف المحاكم. لا أدري لماذا تسيطر كل هذه الفوضى على قصر عدل زحلة»؟ مشهد جعله يستنتج أن «القضاة والمحامين يعانون من ظلم قاس في القيام بواجباتهم. اندهشت من قدرتهم على العمل رغم غياب كل مقومات إنجاح مهامهم القضائية والقانونية. إنهم يعملون باللحم الحي ولا أحد يسأل عنهم».
وتقول الطالبة سماح الغزاوي إن ملاحظتها التي تراها إيجابية جداً هي «التعاون المميز بين فريق المحامين، وكيف يحترمون القاضي، ووجدت أن القاضي يتعاطى معهم بأسلوب أخلاقي لائق مخالف لما كنت أعتقده أو أفكر به». وتضيف زميلتها ديانا شرانق بالقول إن «القضاة يجب أن يعملوا في أجواء هادئة وفي قصور عدل جميلة ولائقة ومتطورة تقنياً. لا يكفي أن يتمتع القضاة والمحامون بلغة عربية سليمة، فيما مؤسساتهم القانونية غير سليمة». بينما تجد الطالبة حياة رحال أن «تطوير العمل القضائي في لبنان، الذي هو أساس بناء الدولة الحديثة، يبدأ من الأبنية اللائقة

تخوّف الطلاب من مكان وظروف عملهم بعد التخرج
والنظيفة والمنظّمة»، متسائلة «لا أدري كيف يعمل قضاة لبنان في أبنية غير مجهزة أو منظّمة كهذه؟ تراكم الملفات القضائية في أبنية كهذه لا يمكن أن يحقق العدالة مئة في المئة. فعمل القضاة الشاق يؤدي إلى تراجع العدالة وتطبيق القوانين. كما أن عدد الموظفين كبير جداً ولم ألحظ أنهم يعملون كما يجب». وهنا يسأل عدنان الحشيمي عن دور القضاة في رفع صوتهم والمطالبة بحقهم العمل في أبنية لائقة ومجهزة بأحدث التقنيات، قائلاً «أصبحت أخاف على القانون في هذا البلد. إن الأشخاص المعنيين بتطبيق القوانين يحتاجون فعلاً إلى من يحميهم. فكيف لقصر للعدل أن يعمل وهو محروم من كل شيء». وهنا يتدخل زميله إيهاب سويداني مطالباً بـ«نظام قضائي متطور وحضاري تقنياً. قضاة لبنان ومحاموه يتمتعون بكفاءات عالية جداً، فلماذا هذا الإجحاف بحقهم. لقد شعرت حين دخلت إلى قصر العدل أنني في عالم آخر، وأننا نحتاج إلى عقود من الزمن والعمل الشاق حتى نصل إلى مستوى راق في تسيير أمور دولتنا، بعيداً عن المحسوبيات والاصطفافات». ويلفت الطالب علي القاروط إلى أنه «لا يجوز أن يبقى القانون تحت سيطرة رجال السياسة. فلا يحق للوزير أو النائب التدخل في عمل القضاء، ولكن نوابنا يتدخلون مع رجال الأمن لحل النزاعات بعيداً عن الإجراءات القانونية الواجب تطبيقها وتنفيذها على المخالفين». ويختم «لا أريد أن أتخرج من الجامعة وأبقى تحت سيطرة القانون العشائري في لبنان، والبداية تنطلق من تأهيل قصور العدل على نحو متطوّر وحضاري، وأن لا يخرج الزائر مهما كان بانطباعات سلبية».


لمحة عن يوميّات المحامي

حاضر مفوّض نقابة المحامين في قصر عدل زحلة، المحامي منير البقاعي، أمام الطلاب عن دور المحامي ويومياته في قصور العدل. ورافق الطلاب في جولاتهم داخل محاكم الجنايات والمنفرد الجزائي والمالي وأقلام المحاكم العاملة في القصر. وقدّم لهم شروحاً عن كيفية سير عمل هذه الأقلام، كما دعاهم إلى حضور جلسات المحاكمات العلنية، إذ ناقشوا مع المحامين القواعد الأساسية لأخلاقيات المهن القانونية وسلوكياتها.