محمد محسن أمّهات، اجتمعن، كي لا يرين أبناءهن مقاتلين أو قتلى. أمهات من كل لبنان، حضرن إلى المنطقة الواقعة بين الشيّاح وعين الرمانة. هي منطقةً تحمّل أكثر مما تحتمل، وما يحكى عن أجواء الحرب أو الكراهية فيها ليس صحيحاً. هكذا، اجتمعت أمس أمهات أقسمن يميناً جديدةً، لا شك في صدقيتها. كيف لا، وقد أقسمن ألّا يسمحن لأولادهن بأن يتقاتلوا، وبألا يروهن جثثاً. فبدعوةٍ من جمعية “شمل”، ملأن سماء شارع صغير نشأ على المشاكل والاقتتال بين الشياح وعين الرمانة صراخاً هاتفات ضدّ العنف. وسبب النشاط، لا بل أسبابه كثيرة، أهمها الحادثة التي وقعت أخيراً بين شبان من الشياح وعين الرمانة، وأدت إلى استشهاد المواطن جورج أبو ماضي. لم تغرق الأمهات في المحاصصات والمصالح. حصّتهن من الدنيا عيش كريم لأبنائهن. لا يريدن لهذه الحصة أن تذهب بضربة سكين خارجة عن القانون، أو رصاصةٍ صائبة أو طائشة، فموت الابن أمام أمه، لا يميز وسيلة القتل.
اتسّع الرصيف الصغير لصرخات الأمهات وأوجاعهن. ومع أنها مؤلمة، لكنها صادقة كالضوء. ببساطة، لا يردن أن يحكم العنف حياة أولادهن. ستلد إحداهن طفلها بعد ثلاثة أشهر. لا تريد له أن يقف بعد عشرين عاماً، ليحكي عن زمنٍ، يشبه زمن الحرب الذي أنهكها. أمّ أخرى، لا تريد لابنها أن يدخل في لعبة الحرب، فهي أصلاً، ليست لعبة. بدأ التجمع نشاطاته عند الخامسة والنصف من

لا يردن أن يحكم العنف حياة أولادهن
مساء أمس. كلمة ترحيبية، تلتها كلمة للأمهات المشاركات. توجّهن إلى رجال السياسة في لبنان، وعلى قاعدة أن “أبنائنا ليسوا لكم، بل هم أبناء الحياة” طالبن بأن لا يجعل السياسيون أبنائهنّ، وقوداً لمعاركهم وذخائر لحروبهم. وبين كل كلمة وأخرى، تشق الفنانة أمال طنب بصوتها، رائحة الحزن، وتغني: “تعو نمشي مع الحياة ونطلع من جنون الحرب”. البارز خلال المهرجان، على مستوى التحركات، كان إطلاق جمعية جديدة تحت اسم “أمهات لاعنفيات”. ولهذه الجمعية أهداف واضحة، وبديهية في عرف الأمومة. ومن جملة هذه الأهداف، عدم تربية الأولاد على العنف والحقد تجاه الآخر، إضافةً إلى شطب عبارات التفرقة من أدبيات التربية، كالحديث عن “مناطقنا ومناطقن، ونحنا وهنّي”. في نظر الجمعية الجديدة، “كلو نحنا... قصصنا إلنا ومش لحدا”. بعد ذلك، كان تكسير ما سمّته المنظّمات “جدار الفصل الطبيعي” الذي ملأت مساحته عبارات من قاموس الحرب. بأقدامهن، كسرت الأمهات الحائط الفلّيني، ودمّرن كلمات التعصب والمتاريس. آخر النشاطات كان مسير أمتار باتجاه آخر بيت في عين الرمانة، بقيت عليه آثار الحرب السوداء، حيث كتبن بأيدٍ مرتجفة: “نعم للحب والوفاق”.