حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

محمود عبّاس ذاهب نحو الانتخابات. المعلومة ليست مستغربة بعد تعطّل المصالحة الفلسطينية وتوقّف عجلة الحوار عن الدوران، وخصوصاً أنه كان دائم التلويح باستخدام «حقه الدستوي»، رغم أنه ليس هناك مسمى «دستور» في السلطة الفلسطينية، بإصدار مرسوم الدعوة إلى انتخابات قبل 90 يوماً من موعدها الأساسي. تهديد عبّاس كان قائماً في عزّ «حفلة التفاؤل» التي كانت تروّج لها القاهرة، وأخذ بعداً جدياً بعد قلب «حماس» طاولة المصالحة الصوريّة. أصدر عبّاس مرسومه، وتلقّف ردود الفعل. لكن هل هو حقّاً جاد في الذهاب إلى انتخابات من طرف واحد، واقتصارها على الضفة الغربية دون قطاع غزّة، مع ما يعنيه ذلك من تكريس لحال الانقسام الجغرافي الفلسطيني؟
المعطيات بمجملها لا تشير إلى جديّة من أبو مازن لتنفيذ مرسومه لأسباب عديدة. ورغم الأمر الذي أصدره لتأليف لجنة الانتخابات والإعداد لعمليات الاقتراع، إلا أن تطبيق مثل هذا القرار لا يبدو وارداً، وخصوصاً أن نتائجه لن تكون في مصلحة أبو مازن على المدى البعيد، حتى وإن كان سيؤمّن له ولاية ثانية مريحة في الرئاسة الفلسطينية.
بداية لا شك بأن عبّاس سيكون بحاجة إلى غطاء عربي ودولي لمثل هذه الانتخابات. غطاء ليس متوافراً بحده الأدنى، لا من الدول العربية المتحالفة مع الرئيس الفلسطيني ولا من العواصم الغربية الداعمة للسلطة. مصر، الراعية الأساس للملف الفلسطيني، لن تكون في وارد المضي إلى النهاية في دعم مرسوم عبّاس، الذي صدر أساساً بالتنسيق معها في محاولة للضغط على «حماس» ودفعها إلى القبول بورقة المصالحة. الأمر نفسه بالنسبة إلى السعودية، التي وإن كانت من داعمي عبّاس، إلا أن مسار سياستها الجديدة لا يتطابق مع هذا التوجّه الانتخابي.
حتى عبّاس نفسه لا يُعتقد أن في نيته البقاء على مرسومه حتى الموعد الانتخابي المرتقب، وإن كان هناك في السلطة من يصرّ على اللجوء إلى صناديق الاقتراع في الضفة ووضع «حماس» أمام الأمر الواقع، وتعيين نواب في قطاع غزّة، حيث سيتعذّر إجراء الانتخابات.
مثل هذه الأصوات ترنّ في مسامع عبّاس، لكنّ المقرّبين من مركز القرار في منظمة التحرير لا يزالون يترقّبون انعطافة في ملف المصالحة تؤدّي إلى تأجيل الانتخابات، والعودة بها إلى التاريخ الذي ورد في الورقة المصرية، أي الثامن والعشرين من شهر حزيران المقبل. تأجيل يلمّح إليه كل المسؤولين الفلسطينيين، حتى أن بعضهم يعتبره أمراً واقعاً لا محالة.
لكن ماذا لو جاء الرابع والعشرين من كانون الثاني من دون أي تغيير في واقع حال المصالحة؟ لا شك بأن بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية يضعون هذا الاحتمال في الاعتبار، وربما يتحسّبون له. حينها سيكون على عبّاس اتخاذ قرار مفصليّ في تطبيق قراره، وبالتالي تحمّل وزر ما قد ينتج منه من حال انفصال كياني بين جزءي الأراضي المحتلة عام 1967.
لكن، بغض النظر عن المسؤولية التاريخية لمثل هذا القرار، لا بد أن السلطة ومنظمة التحرير تدرسان ما قد تنتجه الانتخابات من واقع على الأرض. واقع تفصح عنه نسب المشاركة والأصوات التي قد ينالها الرئيس الفلسطيني وحركته في الانتخابات. النجاح قد يكون مؤكّداً، لكن القراءة في النتائج ستكشف، من دون شك، واقع شعبية عبّاس و«فتح» بعد سلسلة من النكسات والانكسارات، من «فضيحة» تقرير غولدستون إلى ممارسات الأجهزة الأمنية والانقسام الداخلي. حتى الخيار التفاوضي، الذي لم يحرز خلاله أبو مازن أي تقدّم، مواظب على التقهقر إلى أن أوصل الرئيس الفلسطيني إلى مرحلة اليأس. وصول متأخر كالعادة، ولا سيما أن الشارع سبق رئيسه بمراحل في هذا الأمر.
القراءة في النتائج أيضاً ستشير إلى القوة الكامنة لـ«حماس» في الضفة الغربية، وهو ما لا يريده عبّاس، وخصوصاً أن أجهزته الأمنية جهدت خلال السنتين الماضيتين لطمس كل ما يمت للحركة الإسلاميّة بصلة.
من هذا المنطلق قد تكون الانتخابات ورطة لا يريد أبو مازن الوقوع بها، رغم أن لوثتها بدأت تصيب حركة «حماس»، التي تلوّح بإجراء انتخابات منفصلة أيضاً في قطاع غزّة. انتخابات لو أجرتها الحركة الإسلاميّة فلن تكون نتائجها الباطنيّة مختلفة عمّا هي عليه الحال في الضفة الغربية. فـ«حماس» أيضاً ستضمن الفوز، لكنها ستكشف عن حجم الامتعاض داخل القطاع المحاصر من سياستها الداخليّة والخارجيّة.
ثنائي احتكاري فلسطيني كارثي على القضية وأهلها، لا بد من انتخابات حقيقية لتقييم أدائه وتبعات سياسته، لكن المشكلة أن الأطراف الباقية ليست أفضل حالاً.