strong>المدير العام السابق للأمن العام الذي سُجن من دون دليل قانوني لنحو أربع سنوات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يهدأ. فبعد الدعاوى التي تقدّم بها أولاً أمام القضاء اللبناني لجأ إلى القضاء الفرنسي، واليوم إلى القضاء السوري، فلا حدود جغرافية تنعه من مقاضاة من يتهمهم بالاعتداء عليه
«أسقطتم حقّ الحريري في المحكمة الدولية»، قال أمس المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد متوجّهاً إلى الذين يتّهمهم بتزوير التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. «وسام الحسن يجب أن يُسجن ولا يجوز أن يكون ميرزا وصقر في مركزيهما الحاليين، فهم مسؤولون عن 12 شاهد زور في التحقيق».
وتابع السيد «نعم، سقط حق الرئيس المكلّف سعد الحريري وكل فريقه القضائي والسياسي والأمني والإعلامي، في التحدث عن المحكمة الدولية، وعن الحقيقة والعدالة بعد فضيحة شهود الزور، الذين تجري محاسبتهم، ويجب أن تجري محاسبة المتورّطين معهم في لبنان... واليوم بات هذا الحق حقنا نحن، وحق جميع اللبنانيين والعرب، الذين جرى خداعهم طيلة السنوات الأربع الماضية بمؤامرة شهود الزور وشركائهم...».
كلام السيد جاء خلال مؤتمر صحافي عقده، أمس، في فندق الكورال بيتش عرض فيه تطوّرات الملاحقات القضائية بحق شهود الزور في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. «سعيد ميرزا يعرف من قتل الحريري، فالذي يزوّر التحقيق يعرف القاتل». أضاف السيد الذي جلس إلى جانبه أربعة من وكلائه القانونيين: نجله المحامي مالك السيد وثلاثة محامين سوريين مكلفّين متابعة الدعوة التي تقدّم بها بحقّ شهود الزور أمام القضاء السوري، وهم المحامون فصيح مخائيل عشي وأحمد وليد سراج الدين وحازم عشي.
إذ تقدّم السيد منذ أسابيع بدعوى جزائية شخصيّة بحقّ محمد زهير الصديق وعبد الحليم خدام وهسام هسام وشكيب مراد وإبراهيم جرجورة وكلّ من يظهره التحقيق من شركاء لبنانيين وأجانب بجرم الافتراء الجنائي والشهادة الزور، والتدخل في جرم حجز الحرية، لدى المحامي العام الأول في دمشق، الذي أحالها بدوره على قاضي التحقيق، الذي استمع إلى إفادة السيد منذ يومين، وتسلّم منه «الإثباتات والأدلّة» التي كانت بحوزته، على أن يتابع إجراءاته وفقاً للأصول، لجهة التحقيق مع المدعى عليهم وعلى شركائهم في لبنان وخارجه. وعلى هذا الأساس أرسل القضاء السوري طلب استرداد محمد زهير الصديق من دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكونه تنطبق عليه في هذا المجال بنود اتفاقية التعاون القضائي المبرمة بين الجمهورية العربية السورية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
أما بالنسبة إلى صلاحية القضاء السوري للنظر في الدعوى المذكورة، فقد استند وكلاء السيد إلى المادة (20) من قانون العقوبات السوري، التي تنص على أنه «يطبّق القانون السوري على كل سوري، فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأراضي السورية، على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري. ويبقى الأمر كذلك حتى لو فقد المدعى عليه الجنسية السورية أو اكتسبها بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة».

سجلّ الاتهامات

المدير العام السابق للأمن العام أعلن أن «ما يجب أن يعرفه الرأي العام اللبناني والعربي والدولي بالنسبة إلى التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن هذا التحقيق الدوليّ واللبناني، هو الوحيد في تاريخ العالم كله، الذي اجتمع فيه، منذ بدايته، عشرات شهود الزور بدءاً من محمد زهير الصديق وهسام هسام وعبد الحليم خدام وعبد الباسط بني عودة وابراهيم ميشال جرجورة وأكرم شكيب مراد وأحمد مرعي، وآخرين غيرهم من عشرات شهود الزور، الذين صدّقت أقوالهم منذ البداية لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس، ومساعده غيرهارد ليمان، ومعهما القضاة سعيد ميرزا وإلياس عيد وصقر صقر، ومعهم وزير العدل السابق شارل رزق، ومعهم أجهزة اللواء أشرف ريفي، من العقيد وسام الحسن إلى المقدم سمير شحادة إلى مرؤوسيهما، هذا عدا أن الرئيس المكلف سعد الحريري وكل أجهزة إعلامه قد سوّقوا وتبنّوا ورعوا أولئك الشهود الزور جميعاً، إضافةً إلى الأدوار المباشرة في هذا المجال، التي سوّقها وركّبها مروان حمادة وفارس خشان وهاني حمود وغيرهم من هذه المؤامرة الدنيئة».

تفاصيل عروض ميليس وليمان

تمكّنت «الأخبار» من الاطّلاع على وثائق رسمية تصف بعض تفاصيل ما جرى بين اللواء السيد ولجنة التحقيق الدولية، خلال المراحل الأولى من التحقيق، وأثناء ظهور شهود الزور في القضية. إذ تبيّن أنه بناءً على طلب رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة الأوّل ديتليف ميليس، جرت مفاوضات سرية خلال عام 2005 قبل اعتقال اللواء السيد بثلاثة أشهر، بين ميليس ومعاونه غيرهارد ليمان من جهة، والسيّد من جهة أخرى، حيث حاول ليمان إقناع السيّد بنقل رسالة إلى رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، لإقناعه بتأليف لجنة قضائية سورية مستقلة، وأن يجري اختيار «ضحية سورية دسمة» لتعترف بارتكابها جريمة اغتيال الرئيس الحريري لأسباب شخصية، من دون علم النظام السوري. ثم يُعثر لاحقاً على هذه الضحية مقتولة في حادث سير أو انتحار، وبذلك يطوى الملف، وتصير تسوية سياسية حوله على غرار التسوية مع الرئيس الليبي معمر القذافي في قضية لوكربي. استمر التفاوض حتى 15 آب 2005 حين زار ليمان السيد في منزله، وأنذره قائلاً إن «المركب السوري يغرق»، وناشده أن يقدم ضحية «وإلّا فسيكون هو الضحية». وفي 30 آب 2005، بعد اعتقال الضباط الأربعة اجتمع ليمان وميليس بالسيد في منتصف الليل على انفراد، وقالا له «إذا لم تقبل فستبقى معتقلاً حتى قيام المحكمة الدولية».
وفي 19 كانون الثاني 2006، خلال آخر أيام ولاية ميليس رئيساً للجنة التحقيق الدولية، وبعد خمسة أشهر على توقيف السيد أُحضر هذا الأخير إلى مقر لجنة التحقيق في المونتيفردي، مع وكيله القانوني، وكان حاضراً محقّق إنكليزي يُدعى كين كورليت، كما حضر غيرهارد ليمان، ومترجمة مصرية تُدعى هدى عبد الفرج، وجدّد ليمان عرضه السابق على السيد، مهدّداً بوجود إفادة لديه وقّعها عبد الحليم خدام يمكن أن تدين السيد، فكرّر السيد رفضه للعرض، وعمل على إصدار مذكّرة مفصّلة شرح فيها قضية العروض، وأودعها لدى رئيس لجنة التحقيق سيرج براميرتس الذي حلّ مكان ميليس.

أسباب اللجوء إلى القضاء السوري

شرح السيد أسباب لجوئه إلى القضاء السوري في قضية شهود الزور قائلاً: «بعدما أعلنت المحكمة الدولية صراحةً عدم صلاحيتها في فضيحة شهود الزور وشركائهم، اغتنم المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا هذا الموقف، فامتنع، بالتنسيق مع الذين يخافون من المحاسبة في هذه الفضيحة، عن الادعاء على شهود الزور وشركائهم في لبنان، كما أحال ادعاءاتنا عليهم مع محاضر التحقيق اللبناني إلى لاهاي، رغم معرفته بعدم صلاحية المحكمة الدولية في هذا المجال».
وأضاف: «لأنني حاولت أوّلاً إثارة قضية شهود الزور لدى المحكمة الدولية، وتعذّر ذلك لعدم صلاحيتها، واليوم وبعدما حاولت تكراراً إقناع دولتنا وقضائنا في لبنان بملاحقة هذه الفضيحة، فأغلقوا الأبواب، ولأن قضية شهود الزور ليست متعلّقة بي وحدي فقط، بل بكم جميعاً، وبكل لبناني وعربي وأجنبي يشعر بأنه جرى خداعه في هذه القضية بالتواطؤ في ما بين الذين سمّيتهم من سياسيين وإعلاميين وقضاة وضباط، ولأن رفيق الحريري يجب أن يعرف، في ضريحه، خلفيات هذه الخديعة، فقد وجدت نفسي مضطراً إلى ملاحقة شهود الزور وشركائهم حيث أمكنني ذلك، فادّعيت أخيراً على محمد زهير الصديق وهسام هسام وعبد الحليم خدام أمام القضاء السوري، بصفتهم مواطنين سوريين عاديين لم يعودوا يهمّون القضاء اللبناني، وكذلك ادّعيت على كل من يظهره التحقيق من شركاء لبنانيين وأجانب، ممّن ذكرتهم في مؤتمري الصحفي السابق، وذلك بجرم الافتراء الجنائي وشهادة الزور».
وأضاف السيد قائلاً «منذ اليوم الأول لتحريرنا (اللواءين جميل السيد وعلي الحاج، والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان) من جانب المحكمة الدولية في شهر نيسان الماضي، وانكشاف فضيحة شهود الزور وشركائهم إلى العلن، ناشدت تكرراً المحكمة الدولية وفخامة رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء والرئيس المكلّف سعد الحريري، أن يبادروا إلى فتح تحقيق في مؤامرة شهود الزور، وأن يبادروا إلى طلب استرداد شاهد الزور محمد زهير الصديق، الموقوف في دولة الإمارات، وأن يحاسبوهم ويحاسبوا المتورطين معهم

تقدّم السيد
بدعوى أمام القضاء السوري، بحق كلّ من يظهره التحقيق من شركاء لبنانيين وأجانب بجرم الافتراء الجنائي

حاول ليمان
إقناع السيّد بنقل رسالة إلى الرئيس الأسد لإقناعه باختيار «ضحية سورية دسمة»

سقط حق الرئيس
المكلّف سعد الحريري في التحدّث عن المحكمة الدولية بعد فضيحة الشهود الزور
ويُقصوهم، بدءاً بمروان حمادة وهاني حمود وفارس خشّان ومروراً بالقاضيين ميرزا وصقر معهم، وانتهاءً بالعقيد وسام الحسن، والمقدم سمير شحادة وكثيرين غيرهم، أن يحاسبوهم ليس من أجلنا فقط، ولكن بالدرجة الأولى من أجل استعادة كرامة القضاء اللبناني وهيبته المهدورة في هذه الفضيحة، وكذلك من أجل استعادة المحكمة الدولية لصدقيتها، ومن أجل الحقيقة والعدالة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأيضاً والأهم من كل ذلك، من أجل إعادة الاعتبار إلى الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، الذي جرى خداعه وتجييشه زوراً طوال السنوات الأربع الماضية».

بين مؤتمر صحافي وآخر

كان اللواء السيد قد عقد في آخر شهر آب الماضي مؤتمراً صحفياً عرض فيه «فضيحة شهود الزور» في جريمة اغتيال الحريري، وتطرّق إلى أسماء سياسيّين وإعلاميين وقضاة وضباط «تورّطوا وتواطأوا مع محمد زهير الصديق وهسام هسام وعبد الحليم خدام وغيرهم من شهود الزور، وأسهموا عمداً بشكل أو بآخر، في تضليل التحقيق في جريمة الاغتيال وتشويهه، فضربوا صدقيّة المحكمة الدولية حتى قبل ولادتها، وتسبّبوا أيضاً بالاعتقال السياسي والتعسّفي للضباط الأربعة، وحجز حريتهم لمدة تقارب أربع سنوات».
وشرح السيد أمس أنه «على الرغم من المحاولات المشكورة المتكررة منذ بداية عام 2006، التي قام بها رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج براميرتس، ومن بعده القاضي دانيال بلمار، اللذان حاولا، على مدى تلك السنوات، دفع المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وزميله القاضي صقر صقر، دون جدوى، إلى الإفراج عن الضباط المعتقلين بناءً على انكشاف شهود الزور منذ ذلك الحين، فإنّ القاضي سعيد ميرزا أصرّ على الاعتقال بناءً على اعتبارات سياسية كما قال، وتواطأ معه المحقّق العدلي صقر صقر، فكانت النتيجة أن كوفئ سعيد ميرزا وبات يتلقّى قُبَل الرئيس المكلّف سعد الحريري علناً في حفلات الإفطار، وعلى شاشات التلفزة أخيراً، فيما كوفئ القاضي صقر صقر بتعيينه مدعياً عاماً عسكرياً مع الأسف».
وختم قائلاً «حتى اليوم يكون قد مضى ستة أشهر على مناشدتي العلنية لرئيس الجمهورية، وللمحكمة الدولية وللمجلس الأعلى للقضاء، ولأمّ الصبي في هذه القضية، الرئيس المكلّف سعد الحريري، نعم ناشدتهم جميعاً فتح تحقيق، واسترداد شاهد الزور محمد زهير الصديق، كما ناشدت سوريا في مؤتمري الصحافي الأخير عدم استرداد الصديق إفساحاً في المجال لملاحقته من جانب القضاء اللبناني، حيث أعطيت الفرصة لهذا القضاء كي يسترد كرامته وسمعته في هذه الجريمة الفضيحة، فماذا كانت الأجوبة التي تلقّاها منهم اللبنانيون والعرب والأجانب؟».
(الأخبار)


مرعي مشتبه فيه باغتيال الجميل؟

وثيقة

دعوى الحاج: بقي الضباط محتجزين رغم اســقاط براميرتس للصديقجاء في نصّ الدعوى أنه «تُرك المدّعي حراً من جانب القضاء الدولي»، وتلفت الدعوى إلى أنّ بيان الناطقة الإعلامية باسم المحكمة الدولية راضية عاشوري يأتي في هذا السياق، فقد «أنكرت باسم المحكمة الدولية أية قيمة لأقوال الصديق ولشهادته». «إن بيانها ما هو إلّا تأكيد على «رذل» أقوال المدعى عليه وسواه وإملاء للمدعي بطرق باب القضاء الوطني لمعاقبة هذا الذي قادت أقواله القضاء إياه إلى احتجاز المدعي ورفاقه بشكل ظالم لمدة
قاسية».
لفت نص الدعوى إلى «عدم إجراء أيّ مقابلة (مع الصدّيق) تقتضيها ضرورة ظروف التحقيق، فضلاً عن أن القضاء اللبناني لم يجرِ أيّ مقابلة مع المدعى عليه، بل اكتفى بما تواتر إليه من لجنة التحقيق الأولى في زمن ديتليف ميليس، التي استندت إلى
الأضاليل».
وذكر النص أن القاضي سيرج براميرتس أهمل ما قام به ميليس، وقوّم وضع شهود الزور، وخاصةً محمد زهير الصديق فخلص إلى إعلان عدم صدقيته، وإلى عدم إبداء شهادة الصديق أية قيمة قانونية «وهذا ما أبلغناه من جانب لجنة التحقيق الدولية آنذاك وهذا ما دعا الموكل لمقاضاته بالجرائم المشار إليها في متن هذه الشكوى...
القاضي دانيال بلمار بدوره لم يعر شهادة الصديق أية قيمة أو أهمية، ورغم ذلك كله أُبقي على الموكل محتجزاً في السجن مع رفاقه الضباط بدون وجه حق «بالاستناد إلى إفادة وشهادة هذا الجاني وإدلاءاته»، وتساءل الحاج في الدعوى كيف تحوّل الصديق «من مجنّد فارّ إلى شخصية تتمتع بالحماية والنفوذ وعيش البذخ والترف في حلّه وترحاله، والانتقال من بلد إلى آخر ممّا يطرح السؤال عن أشخاص مفترضين يموّلونه ويساندونه ويؤازرنه، وهم ممن أشرنا إليهم كمدعى عليهم في متن الشكوى، سواء كانوا ممن يتعاطون السياسة أو الإعلام أو الأمن أو القضاء».
يلفت نص الدعوى أيضاً إلى أن الموكل لحقه ضرر أكيد جسيم معنويّ وماديّ نتيجة افتراءات الصديق بإفادات كاذبة.
من جهة ثانية، كان اللواء السيد قد قال في مؤتمره الصحافي أمس إن اللواء الحاج كان يريد أن يرفع دعوى ضد شاهد الزور محمد زهير الصدّيق، لكن القاضي سعيد ميرزا رفض ذلك، وأضاف السيد إن القاضي ميرزا عاد وقال للواء الحاج أن يرفع الدعوى ضد الصديق في محل إقامته (كان مقيماً في منطقة خلدة).
(الأخبار)