خالد صاغيةإذا كان اللبنانيّون قد تعبوا، فإنّ تيري رود لارسن لم يتعب. لديه مواعيد محدّدة لتقديم تقاريره. وفي كلّ موعد، يذكّر اللبنانيّين بأنّهم «شعب 14 آذار»، على ما درج زعماء ثورة الأرز على تسمية مناصريهم. يذكّرهم بأنّ ثمّة حصان طروادة قابعاً داخل وطنهم، وأنّ عليهم نزع سلاحه الذي لا وظيفة له إلا إخافة اللبنانيّين.
يصرّ لارسن على تفسيره الخاص لاتفاق الطائف، وعلى تجاهل ما كان للسنوات الأربع الماضية من آثار سلبيّة على لبنان واللبنانيين. آثار لا بدّ من أن تدفع المحافل الدولية إلى تعديل بعض برامجها إذا كانت سلامة البلاد المعنيّة هي التي تهمّها فعلاً. فمن المفترض أنّ القرارات الدولية صيغت «من أجل» لبنان، لا من أجل غيره.
لكنّ لارسن يشبه الخبراء الذين يُطلَب منهم إعداد خطط تنموية لبلدان العالم الثالث، فلا يكلّفون أنفسهم عناء دراسة واقع شعوب تلك البلدان. لا يسألون عن ثقافاتهم، ولا عن ظروفهم الموضوعيّة. كلّ ما يفعلونه هو النظر إلى لائحة تحوي أرقاماً ومؤشّرات، فيبنون على أساسها سياسات «ممتازة» تتمتّع بكلّ المواصفات العلميّة. مشكلة واحدة تواجه عادةً هذه السياسات: غالباً ما تكون نتائجها كارثيّة، بعكس ما كانت تصبو إليه.
لكن ما علاقة لارسن وزملائه بالنتائج. فحين تقع الطّامّة الكبرى، يكونون قد انتقلوا، ربّما، إلى وظيفة أخرى. فما الذي سيجعلهم مهتمّين بمصائر شعوب أسهموا في خراب بيوتها؟
لدى لارسن قرار دولي سبّب حرباً إسرائيلية على لبنان وشبه حرب أهلية بين اللبنانيين. لكن ما همّ. فالقرار يجب أن ينفَّذ. هكذا تقول الأوراق الرسمية بين يدي السائح الدولي.
ولدى لارسن نموذج معمّم للدولة الغربية الحديثة، على لبنان تنفيذ بنود عدّة لمحاكاة هذا النموذج. ثمّة ألف، وثمّة باء... على لبنان أن ينتقل من مرحلة إلى أخرى مهما تكن التضحيات على الطريق. فهذه آلام مخاض سبق لكوندوليزا رايس أن تحدّثت عنها.
إذا كان اللبنانيّون قد تعبوا، فإنّ تيري رود لارسن لم يتعب. منصب الأمانة العامّة لـ14 آذار ينتظره حين يبلغ ساعة التقاعد. عندها يمكنه أن يترأس حزباً لن يجد من ينتسب إليه.