وفي ما يلي نص الرد:
في القسم الثاني من مقاله بعنوان «تأديب الماغوط» المنشور في هذه الجريدة بتاريخ 11 أيلول 2009، وضع الزميل سمير عطا الله علي عينيّ نظارات سوداء ورسم على وجهي عبسة هتلرية، ورمى على طاولتي تلة من التقارير الحزبية المرفوعة ضد «الرفيق» محمد الماغوط، وكرّسني محققاً يستجوبه كأنه «مجرد نفر متمرد في فرع حلب أو حماه أو السلمية» لا «سيد البلابل». وكأيّ «محقق إيديولوجي» جعلني أبيّن للمتهم عبر «الحقائق والإثباتات، خروجه على النمط والسياق»، وأضمّن حيثيات التحقيق ونص الحكم، كتابي الجديد «محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي». وكانت النتيجة أني أضعت، بنظره، «عبق الشعر ورحيق العبقرية» وأحلت على «الصمت بعض أجمل تغريد الحقبة». فهل كان الزميل عادلاً في حكمه؟ أم أنه مارس ما اتهمني بممارسته؟
هل كان مطلوباً مني التعتيم على الناحية الحزبية أم اختصارها بــ«نهفة» الصوبيا؟
تمحور كتابي الجديد الممتد على طول 384 صفحة، على المرحلة الأولى من حياة محمد الماغوط الأدبية. فاستغرقت الدراسة ثلث صفحات الكتاب، وتوزعت على سبعة فصول ألقيتُ الضوء في السادس منها على حياته الحزبية، ودرست في الفصول الستة الباقية بواكير شعره ومقالاته السياسية والاجتماعية، وسخريته، وروايته، وكشفت معلومة احترافه كتابة تعليق سياسي يومي، وحاولت كشف سرّ استقطاب مؤسس الحزب أنطون سعادة للعديد من الأدباء والفنانين والمفكرين. وفي القسم الباقي من الكتاب، نشرتُ عيّنة من بواكيره المجهولة وهي 16 قصيدة، و34 مقالة، ورواية. ومن «الأحكام» التي أصدرتها بحق الماغوط، أني اعتبرته «مدرسة في السخرية» كما هي حال إسكندر الرياشي وسليم سركيس وسعيد فريحه وسعيد تقي الدين.أما لماذا نقل الزميل اسمي من لائحة المحققين الأدبيين إلى لائحة المحققين الإيديولوجيين، فلأني خصّصتُ فصلاً في كتابي لحياة الماغوط الحزبية، وقد بيّنت فيه أن “نهفة” الصوبيا التي صدّقها، أو رغب في تصديقها، العديد من القراء والزملاء، تبعد ملايين الكيلومترات عن الحقيقة. فالماغوط روى لبعض الصحف والفضائيات قبيل رحيله أنه دخل ذات شتاء قارص إلى مركز الحزب القومي في «السلمية» بهدف التدفئة، ولم يخرج إلّا وقد أقسم يمين الانتماء. ولكن إذا عدنا إلى المراجع الموثوق بها، ومنها الدوريات التي نشر بواكيره فيها، نجد أنه انتمى إلى الحزب عام 1950 واستمر في صفوفه عضواً ناشطاً ومحرراً في جريدته «البناء» دزينة من السنين. ونشر خلال حياته الحزبية الطويلة عشرات القصائد والمقالات ذات العلاقة المباشرة أو المداورة بالحزب وزعيمه ومبادئه. فهل كان مطلوباً مني التعتيم على الناحية الحزبية أم اختصارها بـ“نهفة” الصوبيا حتى لا أتحوّل من باحث أدبي إلى محقّق حزبي؟ وللمناسبة، لماذا اختصر الزميل معظم فصول الكتاب ووثائقه بالفصل السادس؟
إن جميع الأكاديميين والباحثين خاضوا في دقائق الحياة الحزبية للأدباء الذين كانت لهم تجارب في الأحزاب، أمثال الشاعر العراقي بدر شاكر السياب. فيعمّ الفرح أو يسود الصمت على ما كتب عن تجربة السياب في الحزب الشيوعي، فيما يخيم الحزن حين يُكتَب عن تجربة هشام شرابي أو سعيد عقل أو أدونيس أو محمد الماغوط، في الحزب القومي.
ختاماً، أشكر الزميل سمير عطا الله الذي قرأ كتابي الجديد وانتقده في زاويته اليومية، التي أدمنتُ متابعتها رغم أن بعض كلماتها، أو بالأحرى لكماتها مسدّدة تحت الزنار عن سابق تصوّر وتصميم.
* كاتب لبناني