ماذا يحدث للدراجات النارية التي تصادرها قوى الأمن الداخلي؟ شملت الحملة التي بدأتها وزارة الداخلية بعد حادثة «دراجة عين الرمانة» مناطق مختلفة، وصودرت مئات الدراجات المخالفة، لكن بعد الحجز، ثمة أمور تحدث
سعيد المبسوط
تتنوع أسباب حجز الدراجات النارية، فمنها ما هو غير مسجّل، ومنها من لا يستوفي سائقوها الشروط القانونية الملزمة لقيادتها، من امتلاك رخصة قيادة، إلى وضع الخوذة. وبعضها أيضاً يحتجز لمخالفته أصل القرار لوزارة الداخلية الذي يمنع سير الدراجات التي لم تستحصل على إذن بعد الساعة السادسة مساءً. إذاً تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة: حجز مئات الدراجات ونقلها في شاحنات قوى الأمن الداخلي إلى المكان المخصص لاحتجازها. لكن أين هو هذا المكان؟
في الواقع، ثمة أمكنة كثيرة معتمدة من القوى الأمنية، لركن الدراجات والسيارات المحتجزة. وهذه الأمكنة بعضها يعود مباشرة إلى الدولة وإلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أي تحديداً في بعض الثكنات والنقاط الأمنية. وبعضها الآخر يعود إلى مالكين خاصين، تتعاقد معهم الدولة لتجميع «صيدها» من دراجات وسيارات مخالفة، وهي غالباً ما تكون «بورة» كسر سيارات. ولهذه الأمكنة قصصها التي تشير إلى بعض التجاوزات في ما خصّ الآليات القانونية لاحتجاز الآليات في الدولة اللبنانية. أحد أصحاب هذه الأمكنة، يصفها بأنها «مقبرة الدراجات». في «بورته» تحتجز مئات الدراجات التي غالباً ما «تحال إلى التقاعد»، ومن المفترض أن تلقى مصيراً معروفاً، ألا وهو التلف، الذي يجري أحياناً بتمرير جرافة على الدراجات لسحقها في مكان تحدده قوى الأمن الداخلي، بحضور وسائل الإعلام. لكن ذلك لا يحصل في كلّ مرّة بحسب ما شرحه لـ«الأخبار» صاحب «البورة»، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، كي «لا يقطع برزقه». فبحسب قوله إن ما يجري في الواقع مختلف تماماً عما يفترض أن يحدث بحسب القانون. فالكثير من الدراجات المحتجزة «تعود إلى السوق بطريقة أو بأخرى، وما يتلف أمام كاميرات الإعلام، يكون في الغالب ما هو تالف سلفاً، أي الدراجات غير الصالحة للسير».
في بورته، مملكته التي يتربّع على عرش دراجاتها النارية الكثيرة، يؤكد كامل (اسم مستعار)، أن عمله «يشبه الدجاجة التي تبيض ذهباً»، لكنه يشرح أن «هذه المهنة تحتاج إلى غطاء أمني، يؤمنه له أحد الأقرباء من الضباط». ويضيف أن طريقة التلف الجديدة، المعتمدة إجمالاً، هي عبر قطع الدراجة النارية إلى قسمين، وبالتالي فإن قطع غيار الدراجات تبقى صالحة لكي تباع وتستخدم. هكذا، يصبح التلف موضعياً، وليس كاملاً. وهذا الأمر، كما يؤكد كامل، «يخدم مافيات سرقة الدراجات الذين يقطعون الدراجات التي يسرقونها إلى قسمين، ويدّعون أنهم اشتروها من البورة»، وبالتالي يصبح من شبه المستحيل إثبات أن الدراجة المقسومة إلى قسمين هي نفسها الدراجة المسروقة، وخصوصاً أن معظم الدراجات المسروقة لا تكون مسجّلة لدى دوائر الدولة.

تقسم الدراجة إلى نصفين أثناء عملية التلف كي تبقى قطعها صالحة للاستعمال

يعتاش كامل من الدراجات المحتجزة لديه، ففك الحجز يكلّف خمسين ألف ليرة بعد تسديد ضبط السير. لكن «أحياناً أقلّ أو أكثر من خمسين ألفاً... بحسب الزبون». فبعض الدراجات «تخرج بعد دخولها باتصال هاتفي» يرد إلى هاتف كامل الجوال. وبعضها الآخر «يمضي فترة طويلة قبل أن تجد طريقها إلى البيع لتعود إلى الطرق»، وقد ترجع إلى البورة بعد احتجازها مجدداً مع سائق جديد. أي إن دراجات كثيرة تباع مرات كثيرة، بحسب كامل، والمستفيد الأول من هذا الأمر هو كامل نفسه.
أثناء وجود «الأخبار» في مركز الحجز، حضر شاب واقتحم المكان مفتّشاً بين الدراجات. أوقفه كامل سائلاً: «لوين رايح؟». أجاب الشاب بأنه يبحث عن دراجة قيل له إنها للبيع، لونها أصفر، وذكر نوعها الفريد. عاجله كامل بلهجة حازمة، بأنه ما من دراجات هنا للبيع، قبل أن يغيّر رأيه ويعلن بنبرة أقل حدّة: «لدي ثلاث دراجات فقط للبيع، انتظر حتى أريك إياها». انتقل إلى المرحلة التالية، وطلب من شاب يعمل لديه أن يريه الدراجات الثلاث. وبعدها بقليل، طلب منه شاب آخر أن يدخل ليحضر من سيارته سند البيع الموجود داخلها، فسمح له، شرط ألا يأخذ شيئاً آخر من السيارة.
بقي كامل يتجول بين مئات الدراجات النارية المركونة في مملكته. يسير واثق الخطوة بينها، مطمئناً إلى أن رزقه لن ينقطع ما دام صيادو الدراجات في الخارج يأتونه دائماً بطرائد جديدة!