يصعب أن يتقبل جميع المواطنين قرارات الدولة، لكن قرار تنظيم سير الدراجات النارية الأخير، أثار أخذاً ورداً بين السائقين، كما نتجت منه بعض التداعيات، ولا سيما بعد التدقيق في الآلية للحصول على الترخيص، التي شكا عدد من السائقين أنها لا تراعى بدقّة من المعنيين حتى الآن
محمد نزال
«دولتنا تدفعنا نحو مخالفة القانون، ثم تحاسبنا على ذلك». حسرة يطلقها خليل ن. تعليقاً على تبعات قرار وزارة الداخلية والبلديات، الداعي إلى تنظيم سير الدراجات النارية. يعمل الشاب الثلاثيني في أحد المطاعم في منطقة الأشرفية، بوظيفة توصيل الطلبات إلى المنازل. جمع المستندات المطلوبة، ومنها بيان سجل عدلي «لا حكم عليه» لتحصيل ترخيص قانوني بالسير بعد الساعة السادسة مساءً، بحسب الشروط التي نصّ عليها القرار. حصل خليل على السجل العدلي، ولكن العبارة المطلوبة لم تكن موجودة عليه، بل دُمغ بحكم قضائي بالسجن لمدة سنتين، كان قد قضاها الشاب قبل سنين خلت. أوصل السجل العدلي إلى مدير عمله، لكنه لم يكن يتوقع أن يعيد هذا المستند إليه كل آلام السجن التي عاناها. فُصل من العمل لأن عليه حكماً قديماً يتعلق بـ«شراء مسروق»، رغم مضي أكثر من 10 سنوات عليه، ولأن الوزارة «لن تعطيك ترخيصاً للعمل على دراجتك النارية»، بحسب ما قال له رب العمل. يقول حبيب «نعم، أخطأت عندما كنت مراهقاً بشراء أشياء مسروقة، ولكن إلى متى ستظل هذه اللعنة تلاحقني، بعدما دمرت حياتي. قررت أن أحصل على الرزق بعرق الجبين، ولكن ها أنا اليوم عاطل من العمل، فقط لأني قررت أن أكون مع القانون عبر تحصيل ترخيص رسمي بالسير». كأنه كان ينتظر أدنى فرصة للتعبير، فاستفاض بالكلام وعيناه دامعتان «ماذا تريد الدولة مني؟ ألا يكفي أنها لم تقدم لي شيئاً. هل تريدني أن أعود للأعمال المخالفة للقانون، هل تريدني أن أسرق حتى أعيش؟».
وفي سياق منفصل، استفاد بعض المواطنين من القرار الأخير لتنظيم سير الدراجات النارية. لكنّ ثمة ملاحظات أيضاً. يرى أحد الصحافيين المصورين، الذين شملهم الاستثناء بالسير على الدراجة بعد الساعة 6 مساءً، أن القرار «عشوائي ولا يراعي مصالح المواطنين». هو مؤيد للامتثال إلى القانون، لكن الإجراءات الإدارية التي عاناها أثناء عمله على تحصيل الترخيص، جعلته متردد في عدالة هذه القرارات. «أحالونا على مكاتب شركة بريد لبنان (Libanpost)، لكنهم هناك لا يعرفون ماذا يريدون، تارة يطلبون نسخة عن الإذاعة التجارية للمؤسسة التي نعمل فيها، وتارة يقولون لنا لا داعي لها»، يقول المصور الذي ذهب إلى المكتب 4 مرات، وفي كل مرة كان يُطلب منه شيء جديد.
إجراء إداري آخر اصطدم به المواطن سامر قصير، أثناء تسوية الوضع القانوني لدراجته النارية. توجه سامر إلى الإدارة المختصة لدفع رسم الميكانيك المتوجب عليه، لأنه يتوجب على طالب الترخيص إبراز صورة عن إيصال استيفاء رسم الميكانيك المتوجب، بحسب القرار. لكنهم هناك لم يعطوه إفادة بذلك. ما السبب؟ «هناك 7 سنوات كسر ميكانيك متوجبة عليك لدراجة نارية مسجلة باسمك، ويجب أن تدفع ما عليك حتى تأخذ الإفادة». صُدم سامر من الأمر، وقال لهم «لكن تلك الدراجة سُرقت مني قبل 7 سنوات، فكيف تريدون مني أن أدفع رسوم دراجة مسروقة مني؟». طلبوا منه إحضار نسخة عن محضر إفادته التي تقدم بها لدى القوى الأمنية. ذهب إلى هناك وطلب نسخة عن المحضر، فجاءه الجواب بعد البحث «ليس لدينا نسخة، وحتى لو لدينا فلا يمكن إعطاؤك إياها بعد مرور كل هذه المدة». أُحبط سامر، فقرر عدم تسوية الوضع القانوني لدراجته، قائلاً «هيدا ظلم. بهيك دولة ما لازم الواحد يكون قانوني، ما عايش إلا الحرامية». اصطدم هو الآخر بتداعيات المرحلة السابقة من الفوضى في تطبيق القانون.
تجدر الإشارة إلى أن قرار وزارة الداخلية والبلديات، الصادر منتصف الشهر الجاري، نص على ضرورة أن تكون الدراجة النارية موضع طلب الترخيص «مسجلة ولها رخصة سير ولوحة، وألا تحدث أصواتاً مزعجة، ولا يتعدى الصندوق الموضوع خلف الدراج حدود جسم الدراجة. لكن لاحظ بعض السائقين الذين ذهبوا للحصول على رخصة، داخل مكاتب Libanpost أن عملية التدقيق في الشروط لا تستوفي حقها. شكا أحد السائقين أن أحداً لم يعاين الدراجة، بل اكتفوا فقط بحضوره (صاحبها) ليملأ استمارة الترخيص. ولفته أيضاً أن العاملين في مكاتب البريد «لا يطلبون من طالب الترخيص إفادة تثبت عمله في خدمة التوصيل، أو في الصحافة والتصوير، ويكتفون فقط بالتعريف عن هويتهم، وبالتالي يصبح بإمكان أي كان أن يدّعي العمل الصحافي على سبيل المثال، ويحصل على الترخيص».