نجحت القوى الأمنية في حجز ما يقارب 15 ألف دراجة نارية منذ مطلع العام الحالي، حيث شهد الشهر الحالي تشديداً في قمع المخالفات. لكن للسائقين آراءً أخرى. يشكون من الكلفة العالية للتسجيل حيناً، ويخترعون طرقاً للفرار، تجنبهم الصدام مع الدوريات
أحمد محسن
إنها الحادية عشرة والنصف مساءً. بدأت سيارات قوى الأمن الداخلي، البيضاء والزرقاء، بالتوافد إلى المنطقة الفاصلة بين مستدريتي شاتيلا والطيونة. بات المشهد مألوفاً، خلال الأيام القليلة الماضية: المكان نفسه والرجال أنفسهم. ربما تختلف ملامحهم قليلاً، لكن حضور القوى الأمنية، إلى تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، يعد حدثاً طارئاً بالنسبة لأهلها. حدث موسمي، مرتبط بالمتغيرات اليومية، أكثر ما هو روتين أمني. ينظر الشبان إلى أفراد الدورية بعين الاستغراب. يتبادلون التعليقات عن «الحدث» من مواقعهم التي يتخذونها داخل أحد المقاهي الشعبية القريبة. واللافت، أن حضور القوى الأمنية إلى المنطقة، يضفي جواً إيجابياً في أوساط الحاضرين، على عكس الصورة النمطية الشائعة عن سكان المنطقة.
يشير جهاد، أحد رواد المقهى، بإصبعه إلى الدورية. يعد السيارات. يدقق في لون قبعات رجال الشرطة. يتبادل الأسئلة مع رفاق له: هل هم من المعلومات؟ أم من مفارز السير؟ يصعب عليه الوصول إلى إجابة، فيستسلم ويقول: «المهم هو عملهم». يوافقه علي في ذلك. يلفت إلى أن الرصيف المحاذي للمقهى كان يعج بالدراجات النارية، وقد تقلص عددها أخيراً، بعد الحملة الأمنية. وطبعاً، لم يفت الشبّان أن يتناقشوا في الشؤون المادية، وتكلفة تسجيل التي تؤرقهم. فلا يختلف الوضع القانوني للدراجات عن الوضع القانوني للسيارات، رغم صغر حجم الأولى، إذ إن شروط تسجيلها في مصلحة تسجيل السيارات والمركبات الآلية، تتطابق مع شروط تسجيل السيارات. على سائق الدراجات النارية أن ينال رخصة سوقٍ للدراجة النارية، وكذلك الأمر، عليه أن ينجح في امتحانات السوق قبل أن يتسلّم رخصته التي تبلغ كلفة رسومها 450 ألف ليرة. كما أن رخصة الدراجة النارية تشبه تماماً رخصة السيارة، وتبلغ كلفتها 250 ألف ليرة، بحسب مصلحة تسجيل السيارات والمركبات الآلية. إضافة إلى ذلك، أكد مسؤول إداري في مصلحة تسجيل الآليات، أن رسوم الميكانيك السنوية تدخل في حسابات سائق الدراجة، وتختلف قيمتها الماليّة تبعاً لنوع الدراجة ومصدرها وتاريخ صنعها، وقوة المحرّك. وبالنسبة للحديث عن فعالية المحرّك، اتركوا ذلك للسائقين!
كان نقاشاً ساخناً، على مقربة من النقطة الأمنية المتحركة. رفض البعض كل هذه التكاليف. حسن، المقيم في الشيّاح، أعلن رفضه بوضوح: «يستقوون على الفقير. لو أملك هذه المبالغ، لاشتريت سيارة». لا يوافقه ربيع. ولكن ليس من الناحية القانونية. ربيع يحب الدراجات. يراها وسيلة مريحة وطبيعية، يشبهها بالهاتف الخلوي من حيث الأهمية! وعلى هذا الأساس، لحسن، وربيع، ورفاقهما، أساليبهم في النفاذ من أعين الأمن. أحد الحاضرين، أشار إلى زاروب قريب من الحاجز. وبدأ شرح الخطة: من هنا، تصل إلى شارع أسعد الأسعد، ومنه إلى حي المصبغة. بعدها، تتوغل داخل شارع عبد الكريم الخليل، وتنعطف يساراً باتجاه منطقة الغبيري. عندها، ووفقاً لتأكيدات الحاضرين، تصبح في عمق الضاحية الجنوبية، حيث تكثر المفترقات والأحياء ذات الكثافة السكانية العالية. لا تختلف الأمور كثيراً في الشطر الآخر، المتاخم للضاحية، أي من جهة الحدث ـــــ الشويفات. يكفي السائق أن يسلك طريقاً فرعياً يؤدي إلى منطقة صحراء الشويفات. واسم المنطقة يدل عليها. صحراء تعج بالمباني والمواطنين، ومن ناحية تقنية، يمكن المواطن العادي أن يلحظ استحالة إقامة حاجز أمني لضبط السيارات هناك. وبالفعل، وفي أحياء الضاحية الداخلية، يكفي أي مواطن التجول منذ ساعات المساء الأولى، ليكتشف أن سير الدارجات النارية، وإن كانت حركته تدنت بنسبة طفيفة، ما زال على حاله. حتى الأطفال في برج البراجنة لا يلتزمون بذلك. قلما تجد خوذة واقية على رأس سائق. عليك التفتيش عن واحدة، وستجدها بالتأكيد. أما مكان وجودها، فليس رأس السائق، بل مؤخرة الدراجة، حيث يحتفظ بها السائقون، تجنباً لحاجز مباغت. هذا ما يقوله ناصر، الذي يعمل في بيروت، و«اضطر» للالتزام بالتفاصيل القانونية، تجنباً للوقوع في أي صدام محتمل مع الشرطة.
تقع الصدامات أحياناً. قبل بضعة أيام، حاصرت القوى الأمنية شوارع داخلية ضيقة، في منطقة تحويطة الغدير. تجمع الشبان هناك، وأبدوا اعتراضاً سلمياً على مصادرة الدورية الدراجات النارية المتوقفة على جوانب الطرق، من دون التأكد من قانونيتها. إلا أن مسؤولاً أمنياً، أكد أن الدورية صادرت الدراجات التي لا تحمل لوحة تسجيل، ما يعني أنها غير قانونية قطعاً. وفي برج البراجنة، شارع العنان، كانت الدورية الأمنية أكثر تساهلاً. سأل رجل الأمن أحد المواطنين عن دراجة مركونة بهدوء على جانب الطريق. اعترف الشاب بأنها تخصه. طلب منه رجل الأمن إزالتها، قبل أن تصادرها القوى الأمنية. عمد الشاب إلى جر دراجته فوراً إلى داخل أحد المحال التجارية. وفي غضون نصف ساعة، انقرضت الدراجات النارية من الحي السكني. صادرت قوى الأمن بعضها، وأخفى البعض دراجاتهم، كما تجدر الإشارة إلى أن مجتمع السائقين، يحظى بألفة نادرة. فإذا نجح أحدهم باكتشاف الحاجز، يقوم بـ«واجبه الإنساني» تلقائياً. يخبر السائقين الآخرين عن مكان النقطة بلا تردد. من دون أن يسألوه عن ذلك حتى. يبادر من تلقاء نفسه إلى إخبارهم.
وفقاً لما يمكن مشاهدته في شوارع الضاحية بعد السادسة مساءً، يبدو أن هؤلاء السائقين، حتى الآن، «سجلوا نقاطاً أعلى من القوى الأمنية».


«بهلوانيات» عكس السير

أثناء إقامة دورية تابعة لشرطة بيروت حاجز قمع مخالفات الدراجات النارية، مرت دراجة نارية من نوع «ياماها»، رمادية اللون، صنع عام 1998، بعكس وجهة السير المسموحة. وأوردت تقارير أمنية أن سائقها عبد الرحمن ي. (43 عاماً)، كان يقوم بـ«ألعاب بهلوانية» في منتصف الطريق، فحاول المجند عباس د. توقيفه، علماً بأنه أحد أفراد الحاجز، فصدمه عبد الرحمن بالدراجة، ما أدى إلى إصابتهما. استدعى ذلك نقلهما إلى المستشفى لتلقي العلاج. تجدر الإشارة إلى أن سائقي دراجات شكوا لـ«الأخبار» الطريقة التي يتعامل فيها بعض رجال الأمن معهم.