حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

اجتماع الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بات على الأبواب. قمّة عالمية مخصصة لبحث مختلف القضايا الأساسية التي تعصف بالكرة الأرضية، سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وبيئيّاً. لكن ما يهمنا منه في العالم العربي هو سعي الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تحويله إلى منصة لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية ــــ الإسرائيليّة. بداية يريدها أوباما مثاليّة لإعادة الدوران إلى عجلة عملية السلام المتوقفة. إلا أن العبرة في الخواتيم، التي لا يبدو أنها تتجّه إلى الشكل المثالي نفسه للبداية. فخطط أوباما، المفترض إعلانها خلال القمّة، لم تنضج بعد لطرحها في الأسواق الشرق أوسطية، رغم أن زبائنها متلهفون لتلقفها. لكن الملامح العامة للتوجّه الأميركي بدأت بالتشكّل، وهي ملامح لا تبشّر بخير ولا توحي بأن إدارة الرئيس «التغييري» تعلمت الكثير من مراحل المفاوضات الطويلة منذ مدريد إلى أنابوليس.
المعطيات المتسربة يوميّاً من الصحف الإسرائيلية والمصادر الأميركية تشير إلى عثرات ما قبل البداية، بدءاً من تقليص الخطة الأميركية واقتصارها على الملف الفلسطيني، بعدما كان الحديث عن عملية سلمية شاملة على المسارات كلها، وصولاً إلى الاستثناءات التي يبدو أن الإدارة الأميركية توزعها على الإدارة اليمينية للدولة العبرية.
جديد «التغييرات» الأميركية في خطة السلام الشرق أوسطية، بعد تقليصها، «ليونة في التعاطي مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلة». فإدارة أوباما ومبعوثها إلى الشرق الأوسط لم يستطيعا حتى الآن انتزاع تعهد إسرائيلي بالتجميد الاستيطاني الكامل والشامل، لتسقط الشروط الأميركية التي رفعها أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض (تجميد كامل للاستيطان ورفض «النمو الطبيعي») عند عتبة التعنّت الإسرائيلي.
الإدارة الأميركية استسلمت على ما يبدو إلى الشروط الإسرائيلية، وباتت تتماهى معها إلى حد كبير. فبعد جولات مكوكية للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، باتت إدارة أوباما شبه موافقة على استكمال بناء 2500 وحدة استيطانيّة في الضفة الغربية، على اعتبار أن عقودها موقعة سابقاً.
هذا هو المعلن من الاستثناء الأميركي، لكن ما يخفى قد يكون أكبر. فما الذي يمنع أن تخرج الصحف العبرية بعد فترة بمعلومات عن عقود أخرى كانت موقّعة قبل «تعهد التجميد المؤقت». والذرائع الإسرائيلية جاهزة والاستيعاب الأميركي أيضاً.
الأنكى من الـ2500 وحدة استيطانية، هو الحديث عن استثناء القدس المحتلة من «اتفاق التجميد» الأميركي ــــ الإسرائيلي، مع ما يحمله ذلك من دلالات تشير إلى توجه المفاوضات حول المدينة المحتلة في المستقبل القريب. استثناء لم يعد في دائرة الأنباء، بعدما خرج الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، أول من أمس، ليخبر طالبات عربيات بأن الاستيطان في المدينة المحتلة سيستمر، وإن لطّفه بالحديث عن البناء العربي.
تأكيد بيريز يعني أن الإدارة الأميركية، الساعية إلى إطلاق سريع ومتوازن لعملية السلام في الشرق الأوسط، سلّمت بالمطامع الإسرائيلية في القدس المحتلة، أو على الأقل تغاضت عنها في مقابل استئناف المفاوضات بأي ثمن، رغم إدراكها أن المساعي الإسرائيلية تسير على قدم وساق في المدينة المحتلة لاستباق الوضع النهائي بتغيير المعالم على الأرض، ما يجعل أي اتفاق غير قابل للتطبيق.
الأخطر من ذلك كله هو التسليم العربي والفلسطيني بالاستثناءات الأميركية للدولة العبرية، على اعتبار أن المفاوضات باتت قدراً لا مفر منه، وأن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من المناورات ما دام موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة بات على الأبواب. لم يصدر مثل هذا الموقف العربي الصريح، لكن الصمت دليل على القبول؛ فتفاصيل الصفقة الإسرائيلية ــــ الأميركية ــــ العربية تتداول يوميّاً: تجميد مؤقت وجزئي في مقابل إجراءات تطبيع عربية. الأنباء لم تكن عامة، بل تفصيلية، وحدّدت الدول بالأسماء، الإمارات وقطر والبحرين. وإذا كانت المنامة قد عمدت إلى إصدار بيان نفي للتطبيع، فإن أبو ظبي والدوحة بقيتا على صمتهما، ما يثير الريبة في أن المعلومات ليست مجرد أنباء تتداولها الصحف.
معطيات لا تبشر بخير على صعيد ملف السلام في الشرق الأوسط. ومن كان يعتصم بالانتظار والتفاؤل بجهود الإدارة الأميركية الجديدة، آن له أن يراجع حساباته، فقد دقت ساعة التشاؤم. تشاؤم لا ينطلق فقط من الاستثناءات الإسرائيلية والتنازلات العربية، بل حتى من مخطط الإدارة الأميركية، التي تبدو عازمة على العودة إلى خطّة «خريطة الطريق» وشروطها وانتقائية تطبيقها. الوضع ربما بات أسوأ مما كان عليه خلال الولاية الثانية لجورج بوش. فالتفاوض الذي سيطلقه أوباما لن يتخطى حدود مجرّد التفاوض، والبداية المثاليّة لن تخرج عن كونها مجرّد بداية بلا نهاية.