ديما شريفكان المشهد في شارع يعقوب لبّان، المعروف بـ«مينو»، في مدينة الميناء، غريباً جداً، إذ بدا كمنطقة مهجورة منذ زمن. زاد في وحشته المستحدثة انقطاع التيار الكهربائي، وبدت شوارعه كتلك التي نشاهدها في أفلام «الوسترن» الأميركية قبل بدء معركة بين أبطالها والأشرار. في منتصف الشارع بدأت تظهر بوادر وجود بشري، نصل إلى آخره لنجد في ساحة أحد المطاعم عشرات الشبان الذين يدخّنون النارجيلة يشخصون إلى إحدى الشاشات العملاقة كأنّهم تحت تأثير تنويم مغناطيسي. كانت الشاشة تعرض... باب الحارة. والمطعم المذكور توقّف عن تقديم الكحول حتى آخر رمضان. هكذا، إذاً اجتاح شهر رمضان شارع «مينو» الذي يكتظ في العادة بالشباب الآتين من داخل المدينة ومن طرابلس، وحتى من المناطق
كان الشباب شاخصين إلى الشاشة التي تعرض باب الحارة
المحيطة بها. يقصد هؤلاء «مينو» لما يمثّله من متنفّس لهم للتسلية واللهو في منطقة قريبة من مكان سكنهم عبر الحانات والمطاعم المنوّعة. الشارع في كلّ أيام السنة، حتى في الشتاء العاصف، يكتظ بروّاده الشباب الذين يقصدونه للخدمة الجيدة والأسعار المناسبة، لكنّه يعاني منذ بداية رمضان التأثيرات الجانبية للشهر الفضيل. إذ هجره بعض روّاده الشباب الذين يمتنعون عن شرب الكحول خلال فترة الصوم، رغم أنّهم لا يصومون، إلى جانب ابتعاد من يصوم عنه نحو أجواء «يوجد فيها تقى وورع أكثر»، كما يقول رامي، الذي يتوقف عن ارتياد حانات مينو قبل أسبوع من بداية شهر رمضان... لكنّه يعود إليها وإليه ليلة العيد، بعد أن يفطر في آخر يوم في رمضان.
صديقه عمر، الذي لا يوقفه رمضان عن شيء، يجاريه في جزء من أُمسياته. إذ يرافقه إلى منطقة باب الرمل، حيث يجلسان في أحد المقاهي، ويمضيان الوقت في لعب الطاولة و«ورق الشدّة» وتدخين النارجلية وأكل الكعك الطازج من الأفران القريبة مع الجبنة. لكنّ عمر لا يفوّت مروراً إجبارياً إلى «مينو» قبل زيارة «باب الرمل»، «خلص اتعودت ما عاد فيني عيش بلا الشارع»، يقول ضاحكاً. بينما يتأفّف من فقدان الشارع لعجقته وشبابه الاعتياديين واقتصار الرواد على بعض الأشخاص مثله.