ريتا بولس شهوانفتاة عصبية، يخشى الناس مواجهتها. تصفع حبيباً حين تمتنع عن أداء فريضة «الغنج والدلال» عليه، تصرخ على صديق اقتنع بضعف المرأة. وفي السياسة، تحمل عبء وطن يرفض التطور. لا اسم لها، بل هوية تناضل من أجلها: «امرأة شرقية». تتحمل يومياً حكماً بالأشغال الشاقة: تستقل الأوتوبيس عند الساعة السادسة صباحاً لتذهب من جبيل إلى العاصمة بيروت حيث بدأت ممارسة مهنة التصحيح اللغوي إلى جانب الدراسة الجامعية، ثم تعود ليلاً لإعداد «ثورة الوعي». لم تنجح بتأسيس المنظمة العالمية لحرية المرأة الشرقية، فهي قد شهدت طمر آخر بذور الثورة النسائية مع تفشي مرض السطحية ومسحوق التجميل الثوري وسياسة نفخ الخدين والفم والأرداف، هذا، بالإضافة لهوس طالبات اليوم بزوج الغد. لم تعد تستفزّها تهمة «اخت الرجال» المبطنة بحكم فقدان الأنوثة «فالمجتمع يحارب من لا يفهمه». فتاتنا لا اسم لها، بل هوية تحاول رسم خطها المستقل عن الحبيب والأخ والعشيق والأب. ترفض تسديد الحبيب فاتورة جوعها. تهرب من منزل أهلها إلى مقاهي منطقة جبيل لتعمل. تستقل أوتوبيساً عوضاً عن سيارة أخ دفع الأب ثمنها.
هكذا ينشطر المجتمع بين فتيات يرتدين الفساتين الزهرية، وأخريات يرتدين البنطلون على شاكلة نساء الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. «لا يمكن بعض الفتيات إلا قبول واقع فرض عليهم» تقول ندى التي ترفض الانتماء إلى قطيع تعوّد على طاعة العائلة في قضايا الدين والملبس والمأكل والاختصاص الجامعي، وصولاً إلى الزواج. ثم تذكرك بسيطرة المجتمع البطريركي، متعمقة في تفاصيل الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة وتحديها لتربية أهلها الشرقية التي عززت في وعيها وجود هذا الصراع. نجحت ندى بالمزج بين الجمال والقوة والقدرة على اتخاذ قرارات مهمة، بالإضاقة لتسديدها الأقساط الجامعية دون مساعدة أحد «وكلو من عرق جبيني». هكذا، لم يعد مفهوم بناء الذات حكراً على الرجل، فالنساء «القويات» في بحث دائم عن الاستقلالية أيضاً. بالنسبة لريمي، بضع ساعات يومياً للعمل بدوام جزئي، وبضع ساعات في الجامعة حيث تتابع دراستها، والتخطيط للمستقبل، والنشاط المكثف في الحياة الاجتماعية، كانت كفيلة بمنحها الاستقلالية المتوخاة. «فكرك لو اتكلت على أهلي كنت بدوق طعم الحرية؟» تقول. يصدر جزء كبير من المجتمع حكماً قاسياً بحق المرأة القوية فيسمونها بالـ«مفحلة» و«المسترجلة»، كأن الاستقلالية حكر على الرجال.