أسابيع معدودة تفصلنا عن بداية عام دراسي جديد، وبعض المدارس والثانويات الرسمية من غير مدير أصيل. ومع أن القضية تربوية فإنها لم تسلم من براثن مرجعيات سياسية، تزكّي من تريد برغم وجود آلية واضحة وشروط محددة للتكليف تنص عليها القوانين
فاتن الحاج
14 مدرسة وثانوية رسمية جرى تكليف مدير أصيل لها، من أصل 136 شاغرة إداراتها، أو هذا على الأقل هذا ما تظهره لائحة وزارة التربية الخاصة التي تحدد «المدارس والثانويات التي أعلن عن شغور إداراتها». لماذا فقط هذا العدد؟ ليس السؤال فقط هنا. فاللائحة نفسها تشير إلى أنّ إعلان الشواغر لم يحصل في جميع المدارس كما تنص القوانين، أما في المدارس التي أعلن فيها، فإن غالبية المرشحين لم يُستدعوا حتى الآن لإجراء المقابلة الضرورية التي ينص عليها هي الأخرى القانون، مع اللجنة التي ألفتها وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري في 14/10/2008 لاختبار أهلية المرشحين لإدارة مدرسة رسمية. أكثر من ذلك: القليلون الذين استدعوا وأجروا المقابلة لم تصدر قرارات تكليفهم حتى اليوم، ونحن على قاب قوسين أو أدنى من بداية العام الدراسي.
لماذا التأخير في ملء الشواغر؟ وكيف كلفت مجموعة من المديرين ولم يكلف آخرون، علماً بأنّ الشغور حصل في الوقت نفسه؟ ولماذا خضع البعض للمقابلة ولم تصدر نتيجته بعد؟ وهل يبرر عدم وجود مهلة ملزمة لتكليف المديرين (تماماً كما يحصل برئاسة الحكومة) إبقاء المدارس بلا رأس؟ وهل لصفة اللجنة المؤقتة، أي غير المتفرغة، دور في هذا التأخير؟ ألا يستحق هذا التعليم الاستنفار لإنهاء الملف قبل بداية العام الدراسي الجديد؟ ثم هل من سبب للتأخير بعد صدور القانون 73 بتاريخ 23/4/2009 والذي يعطي تعويض إدارة مقداره 15% من الراتب لمديري المدارس الرسمية الذين تتوافر فيهم شروط الإدارة؟ لم التقاعس ما دامت الشروط واضحة: أن يكونوا من موظفي الملاكات التعليمية، ومن حملة الإجازة التعليمية أو الجامعية أو من متخرجي دور المعلمين الذين مارسوا التعليم خمس سنوات على الأقل بعد دخولهم الملاك، أن يجيدوا اللغة العربية ويحسنوا إحدى اللغتين الأجنبيتين، أن يتقدموا بترشحيهم لتولي الإدارة خلال المهلة المحددة لقبول طلبات الترشيح، أن يجتازوا بنجاح اختبار أهلية تحدد أصول إجرائه بقرار من الوزير، أن يخضعوا قبل توليهم مهمات الإدارة دورة إعداد في الإدارة التربوية تنظمها كلية التربية في الجامعة اللبنانية أو أن يكونوا ممن تابعوا دورات تدريبية خاصة تعنى بأمور إدارية وتربوية على ألا تكون مدتها قد تدنت عن شهرين.
لم يستدع مرشحو أي من الإدارات الشاغرة في بيروت
ثمة استخدام سياسي على ما يبدو لملف تعيين المديرين. ما يعزز هذا الاستنتاج لائحة رسمية مرفقة بلائحة الشواغر، فيها «طلبات للترشح إلى إدارات مدارس وثانويات رسمية» كما يشير عنوانها، تسنى لـ«الأخبار» الحصول على نسخة منها، وهي أعدت لوزارة التربية والتعليم العالي. اللائحة إذاً عبارة عن جدول بأسماء معدة سلفاً لملء شواغر إدارات مدارس وثانويات لم يعلن عن الشغور في بعضها. فهل هي استباقية؟ وهل يحق للوزارة أن تسمي مسبقاً من سيملأ الشواغر فيما لم تعلن عن الشغور بما يتيح لأي مواطن كفوء أن يتقدم للوظيفة؟ وهل يحق لها أن تسمي هؤلاء من دون أن يكونوا قد مروا بامتحان اللجنة المكلفة باختبار أهليتهم؟
لكن الفضيحة، وهذا هو الأهم، أن الجدول يتضمن في خانة وحدها مقابل الأسماء .. اسم المرجع، أو بالعامية «الواسطة» المحسوب عليها المدير أو المديرة العتيدة أو الذي طلب التعيين. الوزيرة شخصياً ورد اسمها كمرجع لنحو 70 اسماً. وقد جاء إفرادياً في معظم هذه المواقع، وبالاشتراك مع فعاليات سياسية محسوبة كلها على قوى 14 آذار من قوات إلى اشتراكية إلى تيار المستقبل بالطبع. كما يتقاسم دعم الأسماء الأخرى إلى المستشار داوود الصايغ وسلوى السنيورة بعاصيري، أحد المسؤولين التربويين في القوات اللبنانية (صبحي داوود) الذي ورد اسمه في 26 إدارة شاغرة. كذلك اسم أحد المطارنة (سمعان عطا الله) وأحد الضباط (المقدم حنا معوّض) وعدد من الوزراء (إيلي ماروني ومحمد جواد خليفة) والنواب (ميشال فرعون مكتب الرئيس أمين الجميل) والمسؤولين التربويين المحسوبين على أكثر من فريق سياسي في المعارضة وفي الأكثرية، إضافة إلى إحدى الشخصيات المقربة من مرجعية سياسية معروفة في فريق الأكثرية ومحسوبة على إحدى السفارات العربية المؤثرة.
وبدا لافتاً، تحديداً في بيروت، أنّ أياً من المرشحين لملء الشواغر لم يستدع لإجراء مقابلة، علماً بأنّ بعض هذه الثانويات شغرت منذ سنتين كما هب الحال في ثانوية رينيه معوض التي خرج مديرها السابق إلى التقاعد، فيما كلفت زوجة أحد المسؤولين في وزارة التربية بأعمال الإدارة، علماً بأنّه لم يمض على دخولها الملاك خمس سنوات، وهذا مخالف للقانون الذي يشترط هذه المدة سواء للمديرين أو المكلفين بأعمال الإدارة. هل ينتظر المعنيون أن تكمل المديرة المكلفة المدعومة السنوات الخمس كي يحق لها الترشح رسمياً وتسلم الإدارة بالأصالة؟
ومع أنّ أياً من المرشحين الخمسة لإدارة ثانوية زاهية قدورة في بيروت لم يستدع للمقابلة، إلا أن اللائحة نفسها تظهر ترشيح اسمين فقط.
كذلك فإنّ هناك ثانويات لم تشغر بعد ومع ذلك بدأ البعض يطلب من السياسيين والتربويين دعم ترشحهم لإداراتها، مثل ثانوية عمر فروخ حيث هناك ثلاثة طلبات لأساتذة دخلوا حديثاً إلى التعليم الثانوي. أما ثانوية الشهيد حسن خالد فلم تدرج على لائحة الشواغر، علماً بأنّها باتت شاغرة بتعيين مديرها السابق رئيساً للمنطقة التربوية في بيروت وتكليف أحد الأساتذة الذي لم يمض أيضاً على دخوله الملاك 5 سنوات بأعمال الإدارة، والمفارقة أنّه الأستاذ الوحيد الذي يرد اسمه في لائحة «الدعم». وفي اللائحة أيضاً تطلب الشخصية المقربة من السفارة العربية تكليف إحدى المرشحتين لإدارة مدرسة كفريا الرسمية دون الأخرى، علماً بأنّ لجنة اختبار الأهلية أجرت المقابلة، فيما لم يصدر قرار التكليف بعد. لكن القرار صدر بتكليف المرشح الذي يدعمه المسؤول القواتي في ثانوية بيت شباب.
هكذا يغرق التعليم الرسمي في ضغوط تنعكس سلباً على إنتاجيته. فتزاحم المرجعيات السياسية على الاستيلاء على الإدارات عبر تولية زلمهم وأتباعهم، من خارج نصوص المؤسسات، دليل واضح على أنّ من يتدخل لدعم تكليف أحد المرشحين دون الآخر لا يعني له ماذا يحل بمستوى التعليم الرسمي ومصالح التلامذة.
هذا التعليم الذي يمر في مرحلة حرجة يقترب معها من حافة الهاوية مع تراجع أعداد التلامذة في السنوات الأخيرة، لغياب مقومات جذبهم إن كان ذلك لجهة التجهيزات الضرورية أو إعداد المعلمين أو تأهيل المباني المدرسية. لم يكن ينقصه إسقاط المحظيين على إداراته، يكفيه ما يعانيه بسبب تولية أصحاب المصالح المتضاربة مع مصلحته .. عليه.


يرق: لا تدخلات في ملف المديرين

ينفي المدير العام للتربية فادي يرق (الصورة) علمه بوجود أية لائحة تتضمن في خانة مستقلة اسم المرجع السياسي الذي يزكّي ترشيح اسم المدير (ة) المذكور اسمه أمام المنصب الشاغر، كما قالت له «الأخبار». «من حسن حظ ملف تكليف المديرين أنّه بعيد عن التدخلات» يقول يرق الذي يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة اختبار أهلية المرشحين. ويؤكد في اتصال مع «الأخبار» أنّ وزيرة التربية بهية الحريري «تلتزم بالأسماء التي تقترحها اللجنة ولا تعيّن أحداً من خارجها»! لا بل إنه يقول إنه «ليس هناك تأخير في ملء الشواغر لكون اللجنة لا تجتمع سوى مرة واحدة في الأسبوع». وهنا يشير إلى أنّ الوزيرة «طلبت منا الاجتماع يومياً لإجراء المقابلات والإسراع في بت الملف». أما حين يُسأل عن عدد المدراء المعينين حتى الآن؟ يجيب: «لا أعلم، ما عندي رقم.. بين 15 و20 مديراً». لكن أليس العدد متواضعاً مقارنة بحجم الشغور (136 إدارة)؟ يقول: «يجب ألا ننسى أنّ اللجنة بدأت عملها منذ أربعة أشهر ثم فوجئت بالعدد الكبير للمرشحين الذي بلغ نحو 160 أستاذاً. كما اضطرت للتوقف عن العمل طيلة فترة التحضير للامتحانات الرسمية».