كنت أهمّ بالوقوف بسيارتي، أمام بنك عوده، في منطقة باب إدريس، فسمعت ضجة خفيفة. نزلت من السيارة لأرى ما الذي حدث. أحنيت رأسي لأرى بماذا اصطدمت، فلم أرَ شيئاً. لكن، ما إن رفعت رأسي، فوجئت بكمّ هائلٍ من العناصر الأمنيين الاستخباريين والخاصّين والرسميّين يحيطون بي. خفت، وقلت في نفسي: الله يستر ما تكون بلّشت الحرب!. قلت لهم: ما في شي. فقال لي أحدهم: مدام لقد اعتديتِ على الأملاك الخاصة، واصطدمتِ بعمود يخص شركة سوليدير، لذلك ستذهبين معنا إلى مخفر الدرك، في الطيّونة، لتحرير محضر فسألته: أيّ عمود؟ لا أرى شيئاً مكسوراً. أجابني هذا العمود أمامك! التفتّ لأجد عموداً ارتفاعه لا يتجاوز ثلاثين سم، وقد كُسرت منه قطعة بحجم إصبع اليد! قلت لرجل الأمن لا أستطيع الذهاب، فالساعة الآن التاسعة ليلاً، وابني البالغ من العمر عامين ونصف عام معي في السيارة، ولا سيما أننا انتظرنا وصول رجال الأمن الرسميين مدة ساعة كاملة، ونحن محاطون بالأمن الخاص على أنواعه. أصرّ رجل الأمن عليّ بالذهاب إلى المخفر، رغم حضور خبير من شركة التأمين التي أتعامل معها، وإعلامه رجال الأمن أن شركة التأمين ستتكفّل بتعويض جميع «الأضرار». ذهبت مع رجال الأمن إلى المخفر، لأبقى حتى الساعة الثانية فجراً، في مخفر الدرك، علماً أن القوى الأمنية هناك، لم تسمح لزوجي بالبقاء بدلاً مني، حيث إنني أنا مرتكبة «الجرم». في اليوم التالي اضطررت إلى التغيّب عن عملي نظراً إلى تعبي الشديد. ظننت أن القصة انتهت. ولكن، بعد شهر تقريباً على الحادثة، تلقيت اتصالاً من مخفر حبيش. كان الاتصال لأتسلّم تبليغاً من المخفر، ذهبت وذُهلت!جاء في التبليغ، أنه يجب عليّ دفع مبلغ ثلاثمئة وسبعة آلاف ليرة، إلى بلدية بيروت، ثمناً للعمود المكسور. قلت في نفسي ماذا عساي أفعل؟ فلأدفعْ. قلت ذلك، مع أنني متأكدة أن الضرر اللاحق بهذا «العمود» لا يكلف ربع هذا المبلغ! ومرةً جديدة، ظننت أن القصة انتهت هنا.
فوجئت قبل يومين، بأحد العناصر الأمنيين، يطرق بابي ليسلّمني تبليغاً آخر. نظرت إلى التبليغ لأجد كلمة «أضرار عامة»، في واجهة التبليغ. فكّرت ملياً: أي أضرار عامة؟ أنا لم أفعل شيئاً. سألت رجل الأمن، فقال لي: حادث سيارة. سألته على الفور: أي حادث؟ أجابني بهدوء: في منطقة باب إدريس. تذكرت حينها قصة العمود، وضحكت. ضحكت لأنني منذ ذلك الحين، كلما مررت من أمامه أقول في نفسي: دفّعتموني ثمنه ولم تغيّروه. واليوم، حين أمر من أمامه سوف أضحك وأقول: دفعتموني ثمنه وطلبتموني للمحاكمة في 3/11/2009 ولم تغيّروه.
ويبدو أنّ من المجدي التوجه إلى العمود، مباشرةً، في الكلام. أقول لهذا العمود الهام: هنيئاً لك أنك في لبنان. لأجلك انهمر رجال الأمن، من حيث لا أدري، وصارو كثراً حولي، ومن ثم أخذوني إلى المخفر ليلاً، مع طفلي الصغير، ودفعوني ثمنك بالدولار، وأخيراً، وربما ليس آخراً، طلبوني للمحكمة وللقضاء.
العمود، عمود سوليدير، أفضل مني حالاً، في مقاييس هذا البلد. فأنا، لم يعوّض عليّ أحد: «جرجرتي» ليلاً إلى المخفر مع طفلي، غبت عن عملي في اليوم الثاني الذي تلى «انهيار» العمود المبجّل، والمئتا دولار طبعاً، إضافةً إلى غيابي المقبل في 3/11/2009، وبالطبع أنا انتظر الحكم الذي سوف يصدره القاضي حينها.
د. بثينة هاشم