حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لمقدّم البرامج التلفزيونية الكلامية مارسيل غانم دور في السياسة المحلّية لم تتظهّر ملامحه بعد. فهذا الإعلامي الذي برز في أواسط التسعينيات، وما زال الرقم واحد لبنانياً، ليس مجرّد مذيع. هو «أخطر» من ذلك، وإن لم يكن محمد حسنين هيكل أو أحمد سعيد لجهة ارتباطهما بنظام الحكم في بلدهما، مصر. مارسيل غانم ابن الطاقم السياسي، أو بالأحرى الابن المدلّل لصالونه السياسي، وليس ابن النظام. لقد أدّى غانم، ولا سيما في مرحلة رفيق الحريري ـــــ جميل السيّد، دوراً يتجاوز ما يقوم به الكثير من القيّمين على البرامج التلفزيونية، كإبعاد هذا السياسي وتجنّب ذاك الصحافي وإبراز ذاك المستشار، إضافة إلى اللعب في التوقيت وترتيب المسرح. فغانم في البرامج الكلامية على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» هو «القطع وصل» بين الطاقم السياسي والمؤسسة التي كانت القوات اللبنانية في يوم من الأيام تملكها.
لذا، كان يبدو أحياناً من حصة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في المحطّة، وأحياناً أخرى يكون الحصان المروَّض من جميل السيّد، الذي لم يُخفِ تدخّله لدى وسائل الإعلام على أنواعها.
هذا جزء من «قوة» غانم، صاحب الضحكة الصاخبة المتنوّعة المعاني والأدوار، والأكثر أناقة وبذخاً في صورته التي اعتادها اللبنانيون كل ليلة خميس، تلك الليلة التي اشتهرت باليانصيب الوطني.
لا ينفي هذا الكلام القدرات التلفزيونية، المسرحية والإعلامية، لهذا الشاب الذي فتح الله له باب النعيم، فبات من مالكي المنازل في سوليدير، حيث امتلاك مرقد عنزة كدخول الفردوس عبر السياسة والفن المتساويين في القيم والأساليب. بل على العكس، إن الكلام السابق يؤكد القدرات التلفزيونية لغانم، الذي عرف كيف ينفذ رغبات المؤسسة في تحوّلها السياسي. وهذا بالضبط أساس الخلاف والاختلاف بينه وبين مي شدياق وما تمثّله، بمعزل عن أي كلام يُردد عن دور مارسيل غانم في «تطفيشها» من المؤسسة التي قد تعود إليها في أي لحظة، ولا سيما إذا ما جرى التوصل إلى تسوية بشأن النزاع بين رئيس مجلس إدارتها، بيار الضاهر، والقوات اللبنانية التي ولّته عليها عندما أسستها (1985)، ثم وضعت مصيرها بين يديه مع دخول سمير جعجع السجن (1993). وفيما كانت القوات تتوقع أن يحمي الضاهر المؤسسة ويحفظ هويتها السياسية، راح بها الضاهر ـــــ غانم إلى سياسة مسايرة الطاقم السياسي الحاكم في زمن الحريري ـــــ السيّد والوصاية السورية. واستفاد من ذلك إمبراطور الإعلان أنطوان الشويري، ليفتتح الأسواق الخليجية عموماًَ والسعودية خصوصاً. وكان له ما أراد، فنال الحصّة الأكبر من كعكة الإعلان. وبعد اغتيال الرئيس الحريري وما رافقه من اختلاف وافتراق سعودي سوري، انحاز الشويري إلى السعودية حفاظاً على مصالحه، فنشب الخلاف بين الشويري والضاهر، وبين غانم ومي شدياق،
هذه الخصومة حطت تارة على الشاشة من خلال تمثيل كلّ منهما نهجاً في الأداء السياسي التلفزيوني، وتارة أخرى خلف الكواليس. وإذ وجدت مي شدياق نفسها داخل المؤسسة بلا سند قانوني (مع سند سياسي: القوات)، استند غانم إلى الإدارة. وهنا، بدأ الانفصام يظهر في أداء غانم، فيما انحازت شدياق ثم خرجت من المؤسسة التي تريد أن تُبقي على جمهورها السياسي في لبنان، وفي الوقت نفسه لا تريد إغضاب أهل الحل والربط.
إذا كان جورج غانم مُخرج سياسة «اللبنانية للإرسال»، فإن مارسيل غانم ممثّلُ تلك السياسة. والمؤسسة تارة تحتاج إلى ممثّلين عديدين، وأخرى لا تستوعب على خشبتها إلا واحداً، علماً بأن مارسيل غانم يؤدي أدواراً عدّة مستفيداً من راداره المتحرّك (بالشراكة مع جورج غانم وبيار الضاهر). وإذا كان يسعى إلى أن يشبك مع أكبر قدر ممكن من السياسيين، فإنه يشتبك مع هذا وذاك أحياناً، لكونه يلعب بالاشتراك مع سياسيين. وما الحلقة الأطول في تاريخ اطلالاته التلفزيونية في ليلة الانتخابات النيابية في 7 حزيران الماضي، إلا دليلاً على ذلك. فارتباك الحلقة ليس بسبب ملاحقتها نتائج الاقتراع وفق مؤسسة غير رسمية، بل هو سياسي بامتياز. فغانم مرتبك سياسياً منذ اغتيال الرئيس الحريري. والمؤسسة مرتبكة مذّاك وبعد خروج جعجع من السجن. قلبا مارسيل والمؤسسة وعقلاهما منقسمان لا بين فريقي الانقسام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، بل بين الشعارات التي تجذب جمهور «LBC» من جهة، وقراءة المؤسسة (الضاهر ـــــ غانم) للمتغيّرات السياسية من جهة أخرى. فالمؤسسة في هذه النقطة تشبه وليد جنبلاط، إلا أنه هو استطاع التحوّل والاستدارة، بينما المؤسسة مكبّلة بمصالحها وارتباطاتها، ومنها العلاقات السياسية والشخصية لمارسيل غانم. فهل يقدر على تجديد موقعه على الشاشة وفي الصالون السياسي؟