أدّى الوزير محمد شطح الأسبوع الماضي دور المغامر السينمائي إنديانا جونز وذهب مدججاً بالقوى الأمنية إلى قرية عين عرب البقاعية النائية يبحث عن كنز. كنز من الذهب أخبره عنه «دجال» مطلوب من كتب السرقات الدولية، صدّق الوزير كلامه وخالف قانون الآثار واستباح حرمة المقام
عين عرب ــ جوان فرشخ بجالي وعفيف دياب
انتهى نهار الأربعاء الجدل القائم حول «كنز» مقام الخضر في قرية عين عرب. وتماماً كما كان متوقعاً، أرض المقام لا تحوي إلا التراب والصخور. وأتى الحسم من دائرة الأوقاف الإسلامية في البقاع، التي استقدمت «خبيراً» أجرى «كشفاً إشعاعياً على أرض المقام تأكد فيه من خلوّ هذا الأخير من المعادن أو حتى المغاور». واللافت للنظر كان وجود مدير مكتب وزارة المال في زحلة داخل المقام خلال عملية الكشف، ويقف بجواره رئيس دائرة الأوقاف في البقاع الشيخ محمد عبد الرحمن. استمرّ الكشف نحو ساعة، ثم خرج الفريق «منتصراً»، مهنّئاً أهالي القرية بأن أرض المقام خاوية، ما من كنز في باطنها.
ووقف الأهالي من حولهم مطأطئين رؤوسهم، حزينين لما آل إليه مقامهم الذي كان مركز صلاتهم. حاول الشيخ التخفيف من وطأة الألم وأخبرهم بأن «وزارة المال ستتكفل بترميم المقام وستعيده أفضل مما هو وتبرز شكله الأثري». لكنهم لم يكترثوا كثيراً. وحينما قال الشيخ لهم: «اردموا الحفرة يا شباب»، بدوا كمن استفاق من غيبوبة، قفزوا إلى المعاول، حملوا الصخور بأيديهم وأنجزوا عملهم بدقائق كأنهم أرادوا أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، أو أرادوا أن ينسوا مهزلة الكنز الدفين.
يروي الأهالي كيف اقتحم الوزير شطح مع مجموعة من مرافقيه، وقوة أمنية، مقام الخضر مساء يوم 27 آب الماضي. وفرضوا حظر التجوال على الأهالي، بعدما دخلوا منازلهم لأخذ المعاول. ويروي عباس المصري، وهو مسؤول المقام الذي كان قد بناه أجداده، كيف «أن القوى الأمنية وبأمر من الوزير شخصياً بدأت الحفر بحثاً عن الكنز الوهمي. ولم يتأخر رجال الأمن عن الوقوف بأحذيتهم داخل المحراب. لم يكنّوا للمكان أي احترام، كأنه لم يكن يوماً جامعاً نصلّي فيه».
أمام هذا الواقع المأسوي اتصل إمام القرية بدار الفتوى والمفتي، فتوقف الوزير عما كان بدأه. ويقال إن رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة تدخل في «القضية» وقام بدور مهمّ في إقناع مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس بالسماح للوزير شطح باستكمال التنقيب. واستخدم مبدأ «حينما يعثر على الكنز المطمور تتقاسم الجهات كلّها الغنيمة»، والمعني بالجهات: أهل القرية، ودار الفتوى ووزارة المال وآخرون.
هنا اكتملت لائحة المخالفات لقانون الآثار اللبناني. فالتنقيب عن الآثار ممنوع بتاتاً في لبنان إلا بترخيص من المديرية العامة للآثار، وطلب التنقيب يكون موقّعاًً من مجلس الوزراء. والبحث عن الآثار الدفينة هو أمر من صلاحيات المديرية العامة للآثار فقط، وكل عملية حفر وتنقيب بحثاً عن الآثار تتم عن سابق تصميم تعاقب بتحويل الأشخاص أمام النيابة العامة. لذا، فلو تتقدم المديرية العامة للآثار بكتاب للنيابة العامة ترفض فيه ما حصل في عين عرب، سيتم طلب شطح الى المحاكم وتنفذ فيه عقوبات قانون الآثار.
أما بالنسبة إلى اقتسام الغنائم (التي أكد أعضاء من اللجنة المتابعة للحفرية أن الوزير شطح تحدّث بتفاصيلها)، فذلك غير مجاز قانوناً في لبنان إلا في حال الاكتشاف بالصدفة. فقانون الآثار واضح: فذلك غير مجاز قانوناً لأن كل الآثار الدفينة ملك للشعب اللبناني وتمثله في الائتمان عليها المديرية العامة للآثار والمتحف الوطني. والاقتسام يأتي فقط في حالة «حسن النية»، أي إن مكتشف الأثر صدفة يبلغ الجهة المختصة باكتشافه ويسلّمها الأثر، فتتشارك معه وتعطيه ثلث قيمته. أمّا بالنسبة لكنز شطح، فاقتسامه مستحيل قانوناً، ولم يكن التلويح بذلك إلا ذريعة للحصول على غطاء وإتمام العمل.
ولأن التنقيب في عين عرب كان بحثاً عن الآثار، توجهت إلى المقام بعثة من المديرية العامة للآثار مع فريق من مكتب السرقات الدولية وكشفوا على الموقع. ويقول الأهالي إن عالمة الآثار أكدت لهم أن المقام خالٍ وما من داعٍ لتدميره والإساءة إليه... لكن أحداً لم يسمع. أما مكتب السرقات الدولية، فهو مهتم بالحفرية ـــــ السرقة وبشخص حامل الوثيقة العثمانية التي تخبر عن الموقع. فقصة الكنز الدفين في مقام الخضر كان قد بدأها الأردني أحمد محمود عز الدين المعروف لدى الجهات الأمنية اللبنانية المختصة، وتلك ليست أول عملية تنقيب يجريها على الأراضي اللبنانية. وقد وصفه أهالي القرية بالمشعوذ.
وقد تميّزت عملية البحث التي قام بها الوزير شطح عن المحاولات التي تجرى في القرى اللبنانية. فهو أمّن لنفسه الغطاء السياسي والأمني «ليمارس هوايته في عين عرب» وترك وزارة المال (أي من ضرائب الشعب اللبناني) تدفع العطل والضرر للأهالي.
إنها سابقة خطيرة. حتى الآن كان الباحثون حفراً عن الآثار مجرد أشخاص عاديين قد يحظون بدعم سياسي محلي، لكن الآن باتت الصورة أخطر: إنه الوزير الذي يشرك وزارته ووزارات أخرى في مخالفات للقانون. فالقوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية حاصرت المقام وتابعت أخبار الاكتشاف والحفر، مع العلم بأنها مخالفة للقانون. فهل من يحاكم؟