خالد صاغيةفترة تأخّر تأليف الحكومة ليست مضيعة للوقت. إنّها مناسبة للتمرين. ففي السنوات الأربع الأخيرة، طفا على السطح كثير من الوجوه الجديدة. بعضها ركب بوسطة المجلس النيابي القديم، وبعضها الآخر التحق حديثاً بحاشية أحد الزعماء الكبار. لن يكون باستطاعة النوّاب الجدد التجريب وارتكاب الأخطاء حين تعود الحياة السياسية. أمّا اليوم، فهامش الخطأ مرتفع، والمحاسبة مؤجّلة. إنّه زمن إظهار المواهب السجاليّة، وامتحان الولاءات المطلقة.
الشاطر اليوم من يقنع زعيمه بأنّ اختيار الأخير له لخوض المعركة الانتخابية كان خياراً صائباً، وأنّه أفضل ممّن سبقوه في تلفيق الأكاذيب وتمويه الحقائق واختراع الحجج.
الشاطر اليوم هو من يثبت أنّ زعيمه ليس هو سبب التأخير في تأليف الحكومة، بل زعيم آخر.
الشاطر اليوم هو من يستثمر الوقت لإظهار التأخير، كما لو أنّه دفاع عن مصالح الطائفة، واستطراداً مصالح الوطن، وأنّ زعماء آخرين هم من يماطلون لتحصيل مكاسب خاصّة، أو لارتباطات خارجية.
الشاطر اليوم هو من يبتكر حججاً لنفي وجود عوائق وتدخّلات خارجيّة. فما شأن الخارج بحكومتنا أصلاً؟ كلّ ما يجري مجرّد اختلافات في وجهات النظر على الطريقة الأفضل لإدارة البلاد. أي إنّ الحكومة لا تتألّف الآن بسبب فائض الأفكار بشأن الطريقة الأمثل لتركيبتها ولإدارتها.
الشاطر اليوم هو من يتحدّث بما يدور في عقل زعيمه، من دون أن يضطرّ الأخير إلى فتح فمه.
الشاطر اليوم هو من يعمل على إعلاء شأن رجال الدين من رعاة طائفته، فيثبّت هالة القدسيّة حول قاماتهم التي تريد الانخراط في السياسة من دون أن تفسَّر مواقفها على أنّها آراء سياسيّة.
الشاطر اليوم هو من يخترع خصماً في الطرف الآخر ويصوّب عليه حتّى ينهكه.
الشاطر اليوم من يتفوّه بجملة لا معنى لها، ويتمكّن من إلقائها بطريقة معيّنة كما لو أنها جملة شديدة الأهمية. ثمّ يبدأ بعلك الجملة نفسها، وصياغتها بطريقة مختلفة ومفردات جديدة، فيلقيها من جديد أمام جمهور أوسع هذه المرّة، ثمّ يأخذ كلّ كلمة من هذه الجملة ويدعو مستمعيه إلى التأمّل في أهميّتها، قبل أن ينظر إلى نفسه بإعجاب شديد، ويسوّي ربطة عنقه، ويبتسم ابتسامة بلهاء، كما لو أنّه في وقوف مستمرّ أمام مرآة.